للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نخلَ خيبرَ وأرضَها، على أنْ يعتملوها منْ أموالِهم، ولهمْ شطرُ ثمرِها). الحديثُ دليل على صحةِ المساقاةِ والمزارعةِ، وهوَ قولُ عليًّ (١)، وأبي بكر، وعمرَ - رضي الله عنهم -، وأحمدَ (٢)، وابنِ خزيمةَ، وسائرِ فقهاءِ المحدثينَ. وأنَّهما تجوزانِ مجتمعين، وتجوزُ كلُّ واحدةٍ منفردةً. والمُسْلمُونَ في جميعِ الأمصارِ والأعصارِ مستمرونَ على العملِ بالمزارعةِ. وفي قولِهِ: ما شِئْنَا دليلٌ على صحةِ المساقاةِ والمزارعةِ وإنْ كانتِ المدةُ مجهولةً (٣). وقالَ الجمهورُ: لا تجوزُ المساقاةُ والمزارعةُ إلَّا في مدةٍ معلومةٍ كالإجارةِ، وتأوَّلُوا قولَه: "ما شِئْنا" عَلَى مدةِ العهدِ، وأنَّ المرادَ نُمَكِّنُكُمْ منَ المقامِ في خيبرَ ما شِئنا، ثمَّ نخرجُكم إذا شِئْنَا، لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - عازِمًا على إخراجِ اليهودِ منْ جزيرةِ العربِ، وفيهِ نظرٌ. وأما المساقاةُ فإنَّ مدَّتَها معلومةٌ، لأنها إجارةٌ. وقدِ اتفقُوا على أنها لا تجوزُ إلا بأجل معلومٍ، وقالَ ابنُ القيمِ - رحمهُ الله - في "زادِ المعادِ" (٤): في قصةِ خيبرَ دليلٌ على جوازِ المساقاةِ والمزارعةِ بجزءٍ منَ الغلةِ منْ ثمرٍ أوْ زرعٍ، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - عاملَ أهلَ خيبرَ على ذلكَ، واستمرَّ على ذلكَ إلى حينِ وفاتِه لمْ ينسخِ ألبتةَ، واستمرَّ عملُ خلفائِه الراشدينَ عليهِ، وليسَ هذا منْ بابِ المؤاجرةِ في شيءٍ، بلْ منْ بابِ المشاركةِ وهوَ نظيرُ المضاربةِ سواءٌ، فمنْ أباحَ المضاربةَ وحرَّمَ ذلكَ فقد فرَّق بينَ متماثلينِ، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - دفعَ إليهم الأرضَ على أن يعملوها منْ أموالِهم، ولم يدفعْ إليهم البذْرَ ولا كانَ يحملُ إليهمُ البذرَ منَ المدينةَ قَطْعًا، فدلَّ على أن هديَهُ - صلى الله عليه وسلم - عدمُ اشتراطِ كونِ البذرِ منْ ربِّ الأرضِ، وأنهُ يجوزُ أنْ يكونَ منَ العاملِ، وهذا كانَ هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَهَدْيُ الخلفاءِ الراشدينَ منْ بعدِه، وكما أنهُ هوَ المنقولُ فهوَ الموافقُ للقياسِ، فإنَّ الأرضَ بمنزلةِ رأسِ المالِ في المضاربةِ، [والبذرُ يجري مَجْرَى سَقْي الماءِ، ولهذا يموتُ في الأرض فلا يرجعُ إلى صاحبهِ، ولوْ كانَ بمنزلةِ رأسِ المالِ في المضاربةِ] (٥) لاشترطَ عودَه إلى صاحبهِ، وهذا يفسدُ المزارعةَ فعلمَ أن القياسَ الصحيحَ هوَ الموافقُ لِهَدْي


(١) انظر: "صحيح البخاري" (٥/ ١٠ باب رقم ٨).
(٢) انظر: "المغني" (٥/ ٥٥٦ مسألة رقم ٤١٠٧)، (٥/ ٥٦٨).
(٣) انظر: "المغني" (٥/ ٥٦٨ مسألة رقم ٤١٢٤).
(٤) "في هدي خير العباد" (٣/ ٣٤٥، ٣٤٦).
(٥) زيادة من (أ).