للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ الشافعيُّ (١) في الجديدِ: الهبةُ للثوابِ باطلةٌ لا تنعقدُ لأنَّها بيعٌ بثمنٍ مجهولٍ، ولأنَّ موضعَ الهبةِ التبرعُ فلوْ أوجَبْنَاه لكانَ في معنَى المعاوضةِ. وقدْ فرَّقَ الشَّرْعُ والعُرْفُ بينَ البيعِ والهبةٍ، فما [استحق] (٢) بالعوضِ أُطْلِقَ عليهِ لفظُ البيعِ بخلافِ الهبةِ. قيلَ: وكأنَّ مَنْ أَجَازَها للثوابِ جعَلَ العُرْفَ فيها بمنزلةِ الشَّرطِ، وهوَ ثوابُ مِثْلِها.

وقالَ بعضُ المالكيةِ (٣): يجبُ الثوابُ على الهبةِ إذا أَطْلَقَ الواهبُ، أوْ كانَ ممنْ يطلبُ مِثْلُه الثوابَ كالفقيرِ للغنيِّ، بخلافِ ما يَهَبُهُ الأَعْلَى لِلأَدْنَى؛ فإذَا لم يرضَ الواهبُ بالثوابِ، فقيلَ تلزمُ الهبةُ إذا أعطاهُ الموهوبُ لهُ القيمةُ، وقيلَ: لا تلزمُ إلَّا أنْ يُراضِيَهُ، والمشهورُ الأولُ عند مالكٍ (٤) رَحمه اللهُ، ويردُّه الحديثُ الآتي وهوَ:

٥/ ٨٨٠ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: وَهَبَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاقَةً، فَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "رَضِيتَ؟ "، قَالَ: لا، فَزَادَهُ، فَقَالَ: "رَضِيتَ؟ "، قَالَ: لَا، فَزَادَهُ، فَقَالَ: "رَضِيتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ (٥)، وَصَحّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (٦). [صحيح]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: وهبَ رجلٌ لرسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ناقةً فأثابَه عليها، فقالَ: رضيتَ؟ [فقال] (٧): لا، فزادَهُ، فقَالَ: رضيتَ؟ قالَ: لا، فزادَهُ، فقالَ: رضيتَ؟ قالَ: نعم. رواهُ أحمدُ، وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ)، ورواهُ الترمذيُّ (٨)، وبيَّنَ أن العِوَضَ كانَ سِتَّ


(١) انظر: "فتح الباري" (٥/ ٢١٠).
(٢) في (ب): "يستحق".
(٣) انظر: "بداية المجتهد" (٤/ ١٦٥) بتحقيقنا.
(٤) انظر: "الموطأ" (٢/ ٧٥٤).
(٥) في "المسند" (١/ ٢٩٥).
(٦) في "صحيحه" (١٤/ ٢٩٦ رقم ٦٣٨٤، الإحسان).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق (٩/ ١٠٥ رقم ١٦٥٢١) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرسلًا، وعزاه الهيثمي أيضًا في "المجمع" (٤/ ١٤٨) للبزار والطبراني في "الكبير" وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. [صحيح]
وقد صحَّحه الشيخ شعيب الأرناؤوط في "الإحسان".
(٧) في (ب): "قال".
(٨) في "سننه" (٥/ ٧٣٠ رقم ٣٩٤٥) ولكن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد صحَّحه المحدِّث الألباني في "صحيح الترمذي" (٣/ ٢٥٢ رقم ٣٠٩١).