للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا يخطبُ أحدُكم على خطْبةِ أَخِيهِ) تقدَّم أنَّها بِكَسْرِ الخاءِ هنا (حتى يتركَ الخاطب قبلَه أوْ يأذنَ له. متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاري). النَّهْيُ أَصْلُهُ التحريمُ إلَّا لدليلٍ يَصْرِفُهُ عنهُ. وادَّعَى النوويُّ (١) الإجماعَ على أنهُ لهُ. وقالَ الخطابي (٢): النَّهْيُ للتأديبِ وليسَ للتحريمِ، وظاهرُه أنهُ مَنْهِيٌّ عنهُ سواءٌ قد أجيبَ الخاطبُ أمْ لا، وقدَّمْنَا في البيعِ أنهُ لا يحرمُ إلا بعدَ الإجابةِ، والدليلُ حديثُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ وتقدَّم (٣). والإجماعُ على تحريمِه بعدَ الإجابةِ، والإجابةُ منَ المرأةِ المكلَّفةِ في الكُفْءِ، ومِنْ وليِّ الصغيرةِ، وأما غيرُ الكُفْءِ فلا بدَّ منْ إِذْنِ الوليِّ علَى القولِ بأنَّ لهُ المنعَ، وهذَا في الإجابةِ الصريحةِ، وأمَّا إذا كانتْ غيرَ صريحةٍ فالأصحُّ عدمُ التحريمِ، وكذلكَ إذا لم يحصلْ ردٌّ ولا إجابة. ونصَّ الشافعيُّ (٤) أن سكوتَ البكْرِ رِضًا بالخاطبِ فهوَ إجابةٌ، وأما العقدُ معَ تحريمِ الخِطْبَةِ فقالَ الجمهورُ (٤): يصحُّ، وقالَ دَاودُ (٤): يفسخُ النكاحُ قبلَ الدخولِ وبعدَه.

وقولُه: "أوْ يأذنَ لهُ"، دلَّ أنهُ يجوزُ لهُ الخِطْبَةُ بعدَ الإذْنِ وجوازُها للمأذونِ لهُ بالنصِّ ولغيرِه بالإلحاقِ، لأنَّ إذْنَهُ قدْ دلَّ على إضرابِه فتجوزُ خِطْبَتُها لكلّ مَنْ يريدُ نِكَاحِها، وتقدَّمَ (٥) الكلامُ على قولِه أخيهِ، وأنهُ أفادَ التحريمَ على خِطْبَةِ المسلمِ لا علَى خِطبَةِ الكافرِ، وتقدَّمَ الخلافُ فيهِ.

وأما إذا كانَ الخاطبُ فاسقًا فهل يجوزُ للعفيفِ الخِطْبةُ على خِطْبَتِهِ؟ قالَ الأميرُ الحسينُ في "الشفاءِ" (٦): إنهُ يجوزُ الخطبةُ على خطبةِ الفاسقِ، ونُقِلَ عن ابن القاسمِ صاحبِ مالكٍ ورجَّحَهُ ابنُ العربيِّ (٧)، وهوَ قريبٌ فيما إذَا كانتِ المخطوبةُ عفيفةً فيكونُ الفاسقُ غيرَ كُفْءٍ لها، فتكونُ خِطْبَتُه كَلا خطبة، ولم يعتبرِ الجمهورُ (٧) بذلكَ إذا صدرتْ منها علامةُ القَبولِ.


(١) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١٩٩).
(٢) انظر: "معالم السنن" (٣/ ٢٤).
(٣) أثناء شرح الحديث رقم (٢٩/ ٧٦٤)، من كتابنا هذا.
(٤) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٢٠٠).
(٥) أثناء شرح الحديث رقم (٢٩/ ٧٦٤)، من كتابنا هذا.
(٦) "شفاء الأوام المميز بين الحلال والحرام" (ق ٢٩٠) مخطوط.
(٧) انظر: "فتح البارى": (٩/ ٢٠٠)، ولم أجده مع عارضة الأحوذي.