للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النكاحِ وغيرُه منَ الأولياءِ بالأَوْلَى. وإلى عدمِ جوازِ إجبارِ الأبِ ذهبتِ الهادوية (١) والحنفيةُ (٢) لما ذُكِرَ ولحديثِ مسلم (٣) بلفظ: "والبكرُ يَسْتَأْذِنُها أبُوها". وإنْ قالَ البيهقيُّ (٤): زيادةُ الأبِ في الحديثِ غيرُ محفوظةٍ ردَّه المصنفُ (٥) بأنَّها زيادةُ عدلٍ، يعني فَيُعْمَلُ بها، وذهبَ أحمدُ (٦) وإسحاقُ (٦) والشافعيُّ (٧) إلى أن للأبِ إجبارَ ابنتِهِ البكرِ البالغةِ على النكاحِ عملًا بمفهومِ: "الثَّيّبُ أحقُّ بنَفْسِها" كما تقدَّمَ (٨)، فإنهُ دلَّ أن البِكْرَ بخلافها، وأنَّ الوليَّ أحقُّ بها. ويُرَدُّ بأَنهُ مفهومٌ لا يقاوِمُ المنطوقَ، وبأنهُ لوْ أُخِذَ بعمومِه لزمَ في حقّ غيرِ الأبِ منَ الأولياءِ وأنْ لا يُخَصَّ الأبُ بجوازِ الإجبارِ. وقالَ البيهقيُّ (٩) في تقويةِ كلامِ الشافعيّ: إنَّ حديثَ ابن عباسٍ هذَا محمولٌ على أنهُ زوَّجَها منْ غيرِ كُفْءٍ. قالَ المصنفُ (١٠): جوابُ البيهقيِّ هوَ المعتمدُ لأنَّها واقعةُ عينٍ فلا يثبتُ الحكمُ بها تعميمًا.

قلتُ: كلامُ هذينِ الإمامينِ محاماةٌ على كلامِ الشافعي ومذهبهم، وإلِّا فتأويلُ البيهقي لا دليلَ عليهِ، فلوْ كانَ كما قالَ لذكرتْه المرأةُ، بلْ قالتْ: إنهُ زَوَّجَها وهي كارهة، فالعِلَّةُ كراهتُها فعليها عُلّقَ التخييرُ؛ لأنَّها المذكورةُ، فكأنه قالَ - صلى الله عليه وسلم -: إذا كنتِ كارهةً فأنتِ بالخِيارِ، وقولُ المصنفِ: إنها واقعةُ عينٍ، كلامٌ غيرُ صحيح، بلْ حكمٌ عام لعمومِ عِلَّتِهِ، فأينَما وُجِدَتِ الكراهةُ ثبتَ الحكمُ. وقدْ أخرجَ النسائيُّ (١١) عنْ


(١) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٢٨).
(٢) انظر: "المبسوط" (٥/ ٨، ٩).
(٣) المتقدم أثناء شرح الحديث رقم (١٣/ ٩٢٤)، من كتابنا هذا.
(٤) نقل البيهقي ذلك عن أبي داود، ونقل عن الشافعي قوله: قد زاد ابن عيينة في حديثه: "والبكر يزوجها أبوها". اهـ المراد. انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ١١٥).
(٥) قال في "التلخيص" (٣/ ١٦٠ رقم ١٥٠٧) بعد أن ساق كلام البيهقي عن الشافعي: قال الدارقطني: لا نعلم أحدًا وافقه على ذلك. اهـ.
(٦) انظر: "المغني" (٧/ ٣٨٠).
(٧) انظر: "معرفة السنن والآثار" (١٠/ ٤٤).
(٨) في المخطوط "سيأتي"، والصواب من المطبوع وقد تقدم برقم (١٤/ ٩٢٥).
(٩) انظر: "السنن الكبرى" له (٧/ ١١٨).
(١٠) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٩٦).
(١١) في "سننه" (٣٢٦٩)، من طريق كهمس بن الحسن عن عبد اللهِ بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنهما -، وأخرجه ابن ماجه (١٨٧٤)، من طريق كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة، وهو حديث ضعيف، ضعَّفه المحدّث الألباني في "ضعيف سنن النَّسَائِي" (ص ١١٧ - ١١٨ رقم ٢٠٨).