للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التقييدُ مستفادٌ منَ الحديثِ، بلْ منْ أدلةِ أخْرَى. والحقُّ أن منْ منعَ اللعنَ أرادَ بهِ [المعنى] (١) اللغويَّ وهوَ الإبعادُ [منَ] (٢) الرحمةِ، وهذا لا يليقُ أنْ يَدَّعِيَ بهِ على المسلمِ، بلْ يطلبُ لهُ الهدايةَ والتوبةَ والرجوعَ عن المعصيةِ، والذي أجازَه أرادَ معناهُ العرفيَّ وهوَ مطلقُ السبِّ، ولا يخْفَى أن محلَّه إذا كانَ بحيثُ يرتدعُ العاصي بهِ وينزجرُ، وَلعنُ الملائكةِ لا يلزمُ منهُ جوازُ اللعنِ منَّا، فإنَّ التكليفَ مختلِفٌ، انتَهى كلامُهُ.

قلت: قولُ المهلبِ إنهُ يُلْعَنُ قبلَ وقوعِ المعصيةِ للإرهابِ كلامٌ مردودٌ فإنهُ لا يجوزُ لَعْنُه قبلَ إيقاعِه لها أصلًا؛ لأنَّ سببَ اللعنِ وقوعُها منهُ فقبلَ وقوعِ السبب لا وجْهَ لإيقاعِ المسبِّبِ. ثمَّ إنهُ رتَّبَ في الحديثِ لعنَ الملائكةِ على إباءِ المرأَةِ عن الإجابةِ، وأحاديثُ: "لعنَ اللَّهُ شاربَ الخمرِ" (٣) رتَّبَ فيها اللعنَ على وصْفِ كونِه شاربًا، وقولُ الحافظِ بأنهُ إنْ أُرِيدَ معناهُ العرفيُّ جازَ لا يخْفَى أنهُ غيرُ مرادٍ للشارعِ إلا المعنَى اللغويَّ. والتحقيقُ أن اللَّهَ تعالى أخبرَنا بأن الملائكةَ تلعنُ مَنْ ذُكِرَ، وبأنهُ تعالى لعنَ شاربَ الخمرِ، ولم يأمرْنا بلعنِه؛ فإنْ وردَ الأمرُ بلعنِه وجبَ علينا الامتثالُ ولعنهُ ما لم تُعْلَمْ توبتُه، ونُدِبَ لنا الدعاءُ لهُ بالتوفيقِ [بالتوبة] (٤) والاستغفارِ. وقدْ أخبرَ اللَّهُ تعالَى أنَّ الملائكةَ تلعنُ مَنْ ذكرَ ومعلومٌ أنهُ عنْ أمرِ اللَّهِ تعالى، وأخبرَ أنَّهم يستغفرونَ لمنْ في الأرضِ، وهو عامٌّ يشملُ مَنْ يلعنونهم منْ أهلِ الإيمانِ وهمْ المرادونَ في الآيةِ؛ إذِ المرادُ منْ عصاةِ أهلِ الإيمانِ لأنَّهمُ المحتاجونَ إلى الاستغفارِ لا أنَّها مقيدةٌ بقولِه: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} (٥) الآية كما قيلَ؛ لأنَّ التائبِ مغفورٌ له، وإنما [دعاؤُهم] (٦) لهُ بالمغفرةِ تعبُّدٌ وزيادةُ تنويهٍ [لشأن] (٧) التائبينَ.


(١) في (ب): "معناه". وهو الموافق لما في "الفتح".
(٢) في (أ): "عن".
(٣) أخرج أبو داود رقم (٣٦٧٤)، وابن ماجه رقم (٣٣٨٠).
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لعنَ اللَّهُ الخمر وشارِبهَا، وساقيها، ومُبتاعَها، وبائعها، وعاصِرَها، ومُعتصرها، وحامِلها، والمحمولةَ إليه" وزاد ابن ماجه: "وآكِلَ ثمنها"، وهو حديث حسن.
(٤) في (ب): "للتوبة".
(٥) سورة غافر: الآية ٧.
(٦) في (أ): "دعواهم".
(٧) في (ب): "بشأن".