للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها وماتت سنة خمسين، وقيل غير ذلك. والحديثُ دليلٌ على صحةِ جَعْلِ العتقِ صدَاقًا بأيِّ عبارةٍ وقعتْ تفيدُ ذلكَ، وللفقهاءِ عِدَّةُ عباراتٍ في كيفيةِ العبارةِ في هذا المعنَى. وذهبَ إلى صحَّةِ جَعْلِ العِتْقِ مهْرًا الهادويةُ وأحمدُ وإسحاقُ وغيرُهم، واستدلَّوا بهذا الحديثِ. وذهبَ الأكثرُ إلى عدمِ صحةِ جَعلِ العِتْقِ مهْرًا وأجابُوا عن [هذا] (١) الحديثِ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - أعتقَها بشرطِ أنْ يتزوَّجَها فوجبَ لهُ عليها قيمتُها وكانتْ معلومةً فتزوَّجَها بها، ويردُّ هذا التأويلُ أنهُ في مسلم (٢) بلفظِ: "ثمَّ تزوَّجَها وجعلَ عِتْقَها صَدَاقَها"، وفيه أنهُ قالَ عبدُ العزيزِ راويهِ: قالَ ثابتٌ لأنسٍ بعدَ أنْ رَوَى هذا الحديثَ: ما أصدقَها؟ قالَ: نفسَها وأعتقَها؛ فانهُ ظاهرٌ أنهُ جعلَ نَفْسَ العِتْقِ صدَاقًا. وأما قولُ منْ قالَ إنَّ هذا شيءٌ فهمه أنسٌ فعبَّرَ به [ويجوزُ] (٣) أن فَهْمَهُ غيرُ صحيحٍ فجوابهُ أنهُ أعرفُ باللفظِ وأفهمُ لهُ، وقدْ صرَّحَ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - جعلَ العِتْقَ صَدَاقًا فهوَ راوٍ لِفِعْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وحُسْنُ الظنِّ بهِ لِثِقَتِهِ يوجبُ قبولَ روايتِه للأفعالِ، كما يجبُ قبولُها للأقوالِ، وإلا لزمَ ردُّ الأقوالِ والأفعالِ إذْ لم ينقلُ الصحابةُ اللفظَ النبويَّ إلا في شيءٍ قليلٍ، وأكثر ما يَرْوُونَهُ بالمعنَى كما هوَ معروفٌ. وروايةُ المعنَى عُمْدَتُها فَهْمَه. وقولُه إنهُ لم يرفعْه أنسٌ بلْ قالَه تَظَنُّنًا، خلافُ ظاهرِ لفظِهِ، فإنهُ قالَ: جعلَ - يريدُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صدَاقَها عِتْقَها. وقدْ أخرجَ الطبرانيُّ (٤) وأبو الشيخِ منْ حديثِ صفيةَ قالتْ: "أعتقني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وجعلَ عِتْقِي صَدَاقي" وهوَ صريحٌ فيما رواهُ أنسٌ وأنهُ لم يقلْ ذلكَ تظننًا كما قيلَ، وإنَّما خالفَ الجمهورُ الحديثَ وتأوَّلُوه، قالُوا لأنهُ خالفَ القياسَ لوجهينِ:

أحدُهما: أن عَقْدَها على نفسها إما أن يقعَ قبلَ عِتْقِها وهوَ محالٌ وإما بعدَه وذلكَ غيرُ لازمٍ لها.


(١) زيادة من (أ).
(٢) في "صحيحه" رقم (٨٥/ ١٣٦٥).
(٣) في (أ): "فيجوز".
(٤) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (٤٩٥٣) و (٨٥٠٢) وفي "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (٤/ ٢٨٢) وقال الهيثمي: "ورجاله ثقات"، وقال في "الأوسط": "لا يروى عن صفية إلا بهذا الإسناد" اهـ.