للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخضَّبَتَاهَا وقالتْ لها إحداهُما: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ منَ المرأةِ إذا دخلَ عليها أنْ تقولَ أعوذُ باللَّهِ منكَ، وقيلَ في سببهِ غيرُ ذلكَ. والحديثُ دليلٌ على شرعيةِ المتعةِ للمطلقةِ قبلَ الدخول، واتفقَ [الأكثرُ] (١) على وجوبِها في حقِّ مَنْ لم يسمِّ لها صَدَاقًا إلَّا عن الليثِ ومالكٍ. وقدْ قالَ تعالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (٢) الآية، وظاهرُ الأمرِ الوجوبُ. وأخرجَ البيهقيُّ (٣) في سُنَنِهِ عن ابن عباسٍ قالَ: المسُّ النكاحُ والفريضةُ الصداقُ، ومتِّعوهنَّ قالَ: هوَ على الزوج يتزوجُ المرأةَ ولم يسمِّ لها صَدَاقًا ثمَّ يطلِّقُها قبل أنْ يدخلَ بها فأمَرَهُ اللَّهُ تعالى أَن يمتِّعَها على قدرِ عُسرهِ ويُسرِه - الحديثَ. وقدْ أخرجَ عنهُ ابنُ جريرٍ وابن المنذر، وابنُ أَبي حاتمٍ (٤): "متعةُ الطلاقِ أعلاها الخادمُ، ودونَ ذلكَ الورِقُ، ودونَ ذلكَ الكسوةُ". نعمْ هذهِ المرأةُ التي متَّعَها - صلى الله عليه وسلم - يُحْتَمَلُ أنهُ لم يسمِّ لها صَدَاقًا فمتَّعها كما قضتْ بهِ الآيةُ [الكريمة] (٥)، ويحتملُ أنهُ كانَ سمَّى لها فمتَّعها إحسانًا منهُ وفضلًا، وأما تمتيعُ مَنْ لم يسمِّ لها الزوجُ مهرًا ودخلَ بها ثم فارقَها فقدِ اختُلِفَ في ذلكَ؛ فذهبَ عليٌّ وعمرُ والشافعيُّ إلى وجوبها أيضًا عملًا بقولِهِ تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (٦)، وذهبتِ الهادويةُ والحنفيةُ إلى أنهُ لا يجبُ إلا مهرُ المِثْلِ لا غيرُ. قالُوا: وعمومُ الآيةِ مخصوصٌ بِمَنْ لم يكنْ قدْ دخلَ بها، والذي خصَّه الآيةُ الأخرى التي أوجبَ فيها المتعةَ؛ لأنهُ شرطَ فيها عدمَ المسِّ وهذا قدْ مسَّ، وأما قولُه تعالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} (٧) فإنهُ يَحْتَمِلُ نفقةَ العدَّةِ ولا دليلَ معَ الاحتمالِ هذا.

وقد سبقتْ إشارةٌ إلى أن الليثَ لا يقولُ بوجوبِ المتعةِ مطلقًا، واستُدِلَّ بأنَّها لو كانتْ واجبةً لكانتْ مقدَّرةً، ودُفِعَ بأنَّ نفقةَ القريبِ واجبةٌ ولا تقديرَ لها.

* * *


(١) في (أ): "الأكابر".
(٢) سورة البقرة: ٢٣٦.
(٣) في "السنن الكبرى" (٧/ ٢٤٤).
(٤) عزاه إليهم السيوطي في "الدُّرُّ المنثور" (١/ ٦٩٧).
(٥) زيادة من (أ).
(٦) سورة البقرة: الآية ٢٤١.
(٧) سورة الأحزاب: الآية ٢٨.