للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"كلْ بيمينكَ"، فقالَ: لا أستطيعُ، قالَ: "لا استطعتَ" ما منعَه إلا الكبرُ فما رفعَها إلى فيهِ، أخرجَهُ مسلمٌ (١)، ولا يدعُو - صلى الله عليه وسلم - إلا على مَنْ تَركَ الواجبَ، وأما كونُ الدعاءِ لتكبُّرِه فهوَ محتملٌ أيضًا. ولا ينافي أن الدعاءَ عليهِ للأمرينِ معًا.

وفي قولِه: "وكلْ مما يليكَ"، دليلٌ أنهُ يجبُ الأكلُ مما يليهِ وأنهُ ينبغي حسنُ العشرةِ للجليس وأنْ لا يحصلَ منَ الإنسانِ ما يسوءُ جليسَه مما فيهِ سوءُ عُشْرةٍ وتركُ مروءةٍ، فقدْ يتقذَّرُ جليسُه ذلكَ لا سيَّما في الثريد والأمراقِ ونحوِها، إلَّا في مثلِ الفاكهةِ فإنهُ قدْ أخرجَ الترمذيُّ (٢) وغيرُه منْ حديثِ عكراشِ بن ذؤيبٍ قالَ: أُتِيْنا بجفنةٍ كثيرةِ الثريدِ والوَذَرِ - وهوَ بفتحِ الواوِ وفتحِ الذالِ المعجمةِ فراءِ جَمْعُ وذرةِ قطعةٌ منَ اللحمِ لا عظمَ فيها - فخبطتُ بيدي في نواحيها وأكلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ بين يديْه فقبضَ بيدِه اليسرى على يدي اليمنَى ثمَّ قالَ: "يا عكراشُ كلْ منْ موضعٍ واحدٍ فإنهُ طعامٌ واحدٌ"، ثم أُتِيْنَا بطبقٍ فيهِ ألوانُ التمرِ فجعلتُ آكلُ منْ بين يدي وجالتْ يدُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الطبقِ فقالَ: "يا عكراشُ كلْ منْ حيثُ شئتَ فإنهُ غيرُ لونٍ واحدٍ"، فهذَا يدلُّ على التفرقةِ بينَ الأطعمةِ والفواكِهِ. بلْ يدلُّ على أنهُ إذا تعددَ لونُ المأكولِ منْ طعامِ أم غيرِه فلهُ أنْ يأكلَ من أيّ جانبٍ. وكذلكَ إذا لم يبقَ تحتَ يدِ الآكلِ شيءٌ فلهُ أنْ [يتتبع] (٣) ذلكَ ولوْ منْ سائرِ الجوانبِ. فقدْ أخرجَ البخاريُّ (٤) ومسلمٌ (٥) منْ حدِيثِ أنسٍ أن خياطًا دعا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لطعامٍ صنَعهُ قالَ: فذهبتُ معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقرَّبَ خبزَ شعيرٍ ومرقًا فيهِ دباءٌ وقديدٌ فرأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتتبعُ الدباءَ منْ حوالي القصعةِ أي جوانِبَها فلمْ أزلْ أتتبعُ الدباءَ منْ يومئذٍ. وفي الحديثِ قال أنسٌ: فلمَّا رأيتُ ذلكَ جعلتُ ألقيهِ إليهِ ولا أطعمهُ، وهوَ دليلٌ على تطلبهِ له منْ جميعِ القصعةِ لمحبتِه لهُ.

وهذا مما نُهِيَ عنهُ الأكلُ منْ وسطِ القصعةِ كما يدلُّ لهُ الحديثُ الآتي وهوَ قولُه:


(١) في "صحيحه" رقم (١٠٧/ ٢٠٢١) من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه.
(٢) في "السنن" رقم (١٨٤٨) قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، ولا نعرف لعِكراش عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث. وهو حديث ضعيف.
(٣) في (ب): "يتبع".
(٤) في "صحيحه" رقم (١٩٨٦ - البغا).
(٥) في "صحيحه" رقم (٢٠٤١).