للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عن اختناثِ الأسقية". زادَ في روايةٍ (١): واختناثُها أنْ يقلبَ رأسَها ثمَّ يشربَ منهُ. وقدْ عارضَه حديثُ كبشةَ قالتْ: دخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فشربَ منْ فيِّ قربةٍ مُعَلَّقةٍ قائمًا فقمتُ إلى فيها فقطعْتُهُ، أي أخذْتُه شفاءً نتبركُ بهِ ونستشفي بهِ. أخرجَهُ الترمذيُّ (٢) وقالَ: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ. وأخرجَه ابنُ ماجَهْ (٣). وجُمِعَ بَيْنهما بأنَّ النَّهْيَ إنَّما هوَ في السقاءِ الكبيرِ والقربةُ هي الصغيرةُ، أوْ أن النهيَ للتنزيهِ لئلَّا يتخذَّه الناسُ عادةً دونَ الندرةِ، وعلةُ النهي أنَّها قدْ تكونُ فيهِ دابةٌ فتخرجُ إلى فيِّ الشاربِ فيبتلعُها معَ الماءِ كما روي أنهُ شربَ رجلٌ منْ فيِّ السقاءِ فخرجتْ منهُ حيةٌ. وكذلكَ ثبتَ النَّهْيُ عن الشربِ قائِمًا، فأخرجَ مسلمٌ (٤) منْ حديثِ أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يشربنَّ أحدُكمَ قائمًا فمنْ نَسِيَ فلْيستقئْ" أي يتقيأْ، وفي روايةٍ (٥) عنْ أنسٍ: زَجَرَ عن الشربِ قائمًا، قالَ قتادةُ: قلنا: "فالأكلُ قالَ: أشدُّ وأخبثُ".

ولكنه عارضَه ما أخرجَه مسلمٌ (٦) منْ حديثِ ابن عبسٍ قالَ: سقيتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ زمزَم فشربَ وهوَ قائمٌ. وفي لفظٍ (٧): أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شربَ منْ زمزمَ وهوَ قائمٌ، وفي "صحيح البخاريِّ" (٨) أن عليًا - رضي الله عنه - شربَ قائمًا وقالَ: رأيتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فعلَ كما رأيتموني، وجُمِعَ بينَهما بأنَّ النهيَ للتنزيهِ فَعَلَهُ - صلى الله عليه وسلم - بيانًا لجوازِ ذلكَ فهوَ واجبٌ في حقِّه - صلى الله عليه وسلم - التشريعِ وقدْ وقعَ منهُ - صلى الله عليه وسلم - مثلُ هذا في صورٍ كثيرةٍ. وأما التقيؤُ لمنْ شربَ قائمًا فإنهُ يستحبُّ للحديثِ الصحيحِ الواردِ بذلكَ، وظاهرُ حديثِ التقيؤ أنهُ يُسْتَحَبُّ مطلقًا لعامدٍ وناسٍ ونحوِهما.

وقالَ القاضي عياضُ: إنهُ مَنْ شربَ ناسيًا فلا خلافَ بينَ العلماءِ أنهُ ليسَ عليهِ أنْ يتقيأَ. نعم، ومنْ آدابِ الشربِ أنهُ إذا كانَ عندَ الشاربِ جلساءُ وأرادَ أنْ


(١) لمسلم في "صحيحه" رقم (٠٠/ ٢٠٢٣).
(٢) في "السنن" رقم (١٨٩٢) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرجه في "الشمائل" رقم (٢١٣)، وهو حديث صحيح.
(٣) في "السنن" رقم (٣٤٢٣).
(٤) في "صحيحه" رقم (١١٦/ ٢٠٢٦).
(٥) في "صحيح مسلم" رقم (١١٢/ ٢٠٢٤).
(٦) في "صحيحه" رقم (١١٧/ ٢٠٢٧).
(٧) لمسلم في "صحيحه" رقم (١١٨/ ٢٠٢٧).
(٨) رقم (٥٦١٦).