للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحجَّتُهم أنهُ لفظٌ لا يملكُه إلَّا الزوجَ، فكانَ طلاقًا ولو كانَ فَسْخًا لما جازَ على غيرِ الصداقِ كالإقالةِ وهوَ يجوزُ عندَ الجمهورِ بما قلَّ أوْ كَثُرَ فدلَّ أنهُ طلاقٌ. وذهبَ ابنُ عباسٍ وآخرونَ إلى أنهُ فسْخٌ، وهوَ مشهورُ مذهبِ أحمدَ ويدلُّ لهُ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - أمرَها أن تعتدَّ بحيضةٍ (١) قالَ الخطابي: في هذا أقْوى دليلٍ لمنْ قالَ أن الخلْعَ فَسْخٌ وليسَ بطلاقٍ، إذْ لو كانَ طَلَاقًا لم يكتفِ بحيضةٍ للعدَّةِ، واستدلَّ القائلُ بأنَّهُ فسخٌ بأنهُ تعالى ذكرَ في كتابهِ الطلاقَ فقالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٢) ثم ذكر الافتداءَ ثم قالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٣)، فلوْ كانَ الافتداءُ طَلَاقًا لكانَ الطلاقُ الذي لا تحلُّ لهُ إلا منْ بعدِ زوجٍ هوَ الطلاقُ الرابعُ وهذا الاستدلالُ مرويٌّ عن ابن عباسٍ؛ فإنهُ سألهُ رجلٌ طلَّقَ امرأته طلقَتْينِ ثمَّ اخْتَلَعَهَا قالَ: نعمْ ينكحُها فإنَّ الخلعَ ليسَ بطلاقٍ، ذكرَ اللَّهُ الطلاقَ في أولِ الآيةِ وآخرِها والخلعُ فيما بينَ ذلكَ فليسَ الخلعُ بشيءٍ، ثمَّ قالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢)، ثمَّ قرأَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٣). وقدْ قررْنا أنهُ ليسَ بطلاقٍ في "منحة الغفارِ" (٤) حاشيةِ "ضوءِ النهارِ" ووضَّحْنا هناكَ الأدلةَ وبسطْناها فيه، ثمَّ مَنْ قالَ إنهُ طلاقٌ يقولُ إنهُ طلاقٌ بائنٌ لأنهُ لو كانَ للزوجِ الرجعةُ لم يكنْ للافتداءِ بها فائدةٌ، وللفقهاءِ أبحاثٌ طويلةٌ وفروعٌ كثيرةٌ في الكتبِ الفقهيةِ فيما يتعلَّقُ بالخلْعِ، ومقصودُنا شرحُ ما دلَّ له الحديثُ على أنهُ قدْ زِدْنا ذلكَ ما يحتاجُ إليهِ.

٢/ ١٠٠٥ - وَفي روَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنهما - عِنْدَ ابْنِ


(١) لحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي (٦/ ١٨٦ رقم ٣٤٩٧) في قصة ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: خذِ الذي لها عليك وخلِّ سَبيلَها. قال: نعم، فأمرها رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد بحيضة واحدةٍ، وتلحق بأهلها"، ورجال إسناده كلهم ثقات.
ولها حديث آخر عند الترمذي (٣/ ٤٩١ رقم ١١٨٥)، والنسائي (٦/ ١٨٦ رقم ٣٤٩٨)، وابن ماجه (١/ ٦٦٣ رقم ٢٠٥٨) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تعتد بحيضة"، وفي إسناده: محمد بن إسحاق، وقد صرَّح بالتحديث.
والخلاصة: أن الحديث صحيح.
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٢٩.
(٣) سورة البقرة: الآية ٢٣٠.
(٤) (٣/ ٩٦٢ - ٩٦٤).