للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنِ ابن عمرَ - رضي الله عنهما - أنهُ طلَّقَ امرأتَه وهيَ حائضٌ في عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فسألَ عمرُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذلكَ فقالَ: مُرْهُ فليراجِعْها ثم ليمسكْها حتى تطهرَ ثم تحيضُ ثم تطهرَ ثمَ إنْ شاءَ أمسكَ بعدُ وإنْ شاءَ طَلَّقَ قبلَ أنْ يمسَّ فتلكَ العدةُ التي أمرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لها النساءُ. متفقٌ عليهِ). في قوله: مُرْهُ فليراجعْها، دليل علَى أن الآمِرَ لابنِ عمرَ بالمراجعةِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ عمرَ مأمورٌ بالتبليغِ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ابنهِ بأنهُ مأمورٌ بالمراجعةِ فهوَ نظيرُ قولِه تعالَى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (١) فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - مأمورٌ بأنْ يأمرَنا بإقامةِ الصلاةِ فنحنُ مأمورونَ منَ اللَّهِ تعالَى، وابنُ عمرَ كذلكَ مأمورٌ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلا يُتَوَهَّمُ أن هذِه المسألةَ منْ بابِ مسألةِ هلِ الأمرُ بالأمرِ بالشيءِ أمرٌ بذلك الشيءِ، وإنَّما تلكَ المسألةُ مثلُ قولِه - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا أولادُكم بالصلاةِ لسبعٍ" (٢) الحديثَ لا مثلَ هذهِ. وإذا عرفتَ أنهُ مأمورٌ منهُ - صلى الله عليه وسلم - بالمراجعةِ فهلِ الأمرُ للوجوبِ فتجبُ الرجعةُ أم لا؟ ذهبَ إلى الأولِ مالكٌ وهوَ روايةٌ عنْ أحمدَ، وصحَّحَ صاحبُ "الهدايةِ" (٣) منَ الحنفيةِ وجوبَها وهوَ قولُ داودَ، ودليلُهم الأمرُ بها، قالُوا: فإذا امتنعَ الرجلُ منْها أدَّبه الحاكمُ فإنْ أصرَّ على الامتناعِ ارتجعَ الحاكمُ عنهُ. وذهَبَ الجمهورُ إلى أنَّها مستحبةٌ فقطْ قالُوا: لأنَّ ابتداءَ النكاحِ لا يجبُ فاستدامتُه كذلكَ، فكانَ القياسُ قرينةً علَى أن الأمرَ للنُّدبِ وأُجِيْبَ بأنَّ الطلاقَ لما كانَ محرمًا في الحيضِ كانَ استدامةُ النكاحِ فيهِ واجبةً. وقولهِ: "حتَّى تطهرَ ثم تحيضَ ثُم تطهرَ" دليل على أنهُ لا يُطَلّقُ إلا في الطهرِ الثاني دونَ الأولِ. وقدْ ذهبَ إلى تحريم الطلاقِ فيهِ مالكٌ، وهو الأصحُّ عندَ الشافعيةِ، وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أن الانتظارَ إلى الطهرِ الثاني مندوبٌ وكذَا عنْ أحمدَ مستدلينَ بقولِه: (وفي روايةٍ لمسلمٍ) أي عن ابن عمرَ (مُرْهُ فليراجِعْهَا ثمَّ ليطلقْها طاهرًا أو حاملًا) فأُطْلِقَ الطهرَ ولأنَّ التحريمَ إنَّما كانَ لأجلِ الحيضِ فإذا زالَ زال موجبُ التحريمِ فجاز طلاقُها في هذا الطهرِ كما جازَ في الذي بعدَهُ،


(١) سورة إبراهيم: الآية ٣١.
(٢) أخرجه أحمد في "المسند" (٢/ ١٨٧)، والدارقطني (١/ ٢٣٠ رقم ٣) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. بسند حسن.
(٣) (١/ ٢٢٨).