للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (١). وأما حكمهُ بعدَ إيقاعِه فيأتي. وقدِ اتفقَ العلماءُ علَى أنهُ يقعُ بتشبيهِ الزوجةِ بظهرِ الأمِّ، ثمَّ اختلفُوا فيهِ في مسائلَ:

الأُولَى: إذا شبَّهَهَا بعضوٍ منْها غيرِهِ، فذهبَ الأكثرُ إلى أنهُ يكونُ ظِهارًا أيضًا، وقيلَ يكونُ ظِهارًا إذا شبَّهَهَا بعضوٍ يحرمُ النظرُ إليهِ. وقد عرفتَ أن النصَّ لم يردْ إلَّا في الظَّهْرِ.

الثانيةُ: أنَّهم اختلفُوا أيضًا فيما إذا شبَّهَهَا بغيرِ الأمِّ منَ المحارمٍ، فقالتِ الهادويةُ (٢): لا يكونُ ظِهارًا؛ لأنَّ النصَّ وردَ في الأمِّ. وذهبَ آخرون (٣) منهمْ مالكٌ والشافعيُّ وأبو حنيفةَ إلى أنهُ يكونُ ظهارًا ولو شبَّهَها بمحرَّم منَ الرضاعِ. ودليلُهم القياسُ، فإنَّ العلةَ التحريمُ المؤبَّدُ [الثابت] (٤)، وهوَ ثابتٌ في المحارمِ كثبوتِهِ في الأمِّ. وقالَ مالكٌ وأحمدُ: إنهُ ينعقدُ وإنْ لم يكنِ المشبَّهُ بهِ مؤبَّدَ التحريم كالأجنبيةِ، بلْ قالَ أحمدُ: حتَّى منْ البهيمةِ ولا يخْفَى أن النصَّ لم يردْ إلَّا في الأمِّ وما ذُكِرَ منْ إلحاقِ غيرِها فبالقياسِ وملاحظةِ المعنَى ولا ينتهضُ دليلًا على الحكْمِ.

الثالثةُ: أنَّهم اختلفُوا أيضًا هلْ ينعقدُ الظِّهارُ منَ الكافرِ؟ فقيلَ: نعمْ لعمومِ الخطابِ في الآيةِ، وقيلَ: لا ينعقدُ منهُ لأنَّ منْ لوازمِهِ الكفارةُ وهيَ لا تصحُّ منَ الكافرِ، ومَنْ قالَ: ينعقدُ منهُ قالَ: يكفِّرُ بالعتْقِ أو الإطعامِ لا بالصوم لتعذُّرِهِ في حقِّهِ، وأُجِيْبَ بأنَّ العتقَ والإطعامَ إذا فُعِلا لأجلِ الكفارةِ كانا قربةً، ولا قربةَ لكافرٍ.

الرابعةُ: أنَّهم اختلفُوا أيضًا في الظهارِ منَ الأمَةِ المملوكةِ، فذهبتِ الهادويةُ والحنفيةُ والشافعيةُ إلى أنهُ لا يصحُّ الظِّهارُ منْها؛ لأنَّ قَولَه تعالَى منْ نسائِهم لا يتناولُ المملوكةَ في عُرْفِ اللغةِ للاتفاقِ في الإيلاءِ على أنَّها غيرُ داخلةٍ في عمومِ النساءِ وقياسًا على الطلاقِ. وذهبَ مالكٌ وغيرُه إلى أنهُ يصحُّ منَ الأمَةِ لعمومِ لفظِ النساءِ إلَّا أنهُ اختلفَ القائلونَ بصحتِه منْها في الكفارةِ، فقيلَ: لا تجبُ إلَّا نصفُ الكفارةِ فكأنَّهُ قاسَ ذلكَ على الطلاقِ عندَه.


(١) سورة المجادلة: الآية ٢.
(٢) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٢٣٢).
(٣) انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" (٧/ ٥٨٤ - ٥٩١).
(٤) زيادة من (أ).