للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذهبَ إلى ما أفادَه الحديثُ ابنُ عباسٍ والحسنُ وعطاءٌ والشعبيُّ وأحمدُ في إحْدَى الرواياتِ والقاسمُ والإماميةُ وإسحاقُ وأصحابُه وداودُ وكافةُ أهلِ الحديثِ مستدلينَ بهذا الحديثِ، وذهبَ عمرُ بنُ الخطاب وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ والحنفيةُ والثوريُّ وغيرُهم إلى أنَّها تجبُ لها النفقةُ والسُّكْنَى مستدلينَ على الأولِ بقولِه تعالَى: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (١) وهذَا في الحاملِ، وبالإجماعِ (٢) في الرجعيةِ على أنَّها تجبُ لها النفقةُ. وعلى الثاني بقولِه تعالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} (٣) وذهبَ الهادي وآخرونَ إلى وجوبِ النفقةِ دونَ السكْنَى (٤) مستدلينَ بقولِه تعالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} (٥) ولأنَّها حُبِستْ بسببهِ كالرجعيةِ ولا يجبُ لها السُّكْنَى لأنَّ قولَه: {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} (٣) يدلُّ على أن ذلكَ حيثُ يكونُ الزوجُ وهوَ يقتضي الاختلاطَ ولا يكونُ ذلكَ إلا في حق الرجعيةِ. قالُوا وحديثُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ (٦) قدْ طعِنْ فيهِ بمطاعنَ يضعفُ معَها الاحتجاجُ بهِ وحاصلُها أربعةُ مطاعنَ:

الأولُ: كونُ الراوي امرأةً ولم تقترنْ بشاهديْنِ عَدْلَيْنِ يتابعانِها على حدِيثِها.

الثاني: أن الروايةَ تخالفُ ظاهر القرآنِ.

الثالثُ: أن خروجَها منَ المنْزِلِ لم يكنْ لأَجْلِ أنهُ لا حقَّ لها في السكْنَى بلْ لإيذائِها أهلَ زوجها بلسانِها.

الرابعُ: معارضةُ روايتها بروايةِ عمرَ.

وأُجِيْبَ بأنْ كونَ الراوي امرأةً غيرُ قادحٍ، فكمْ منْ سُنَنٍ ثبتتْ عن النساءِ يعلمُ ذلكَ مَنْ عرفَ السِّيَرَ وأسانيدَ الصحابةِ. وأما قولُ عمرَ (٧): "لا نتركُ كتابَ ربّنا وسنةَ نبيِّنا لقولِ امرأةٍ لا ندري أحفظتْ أمْ نسيتْ"، فهذَا تردُّدٌ منهُ في حِفْظِها


(١) سورة الطلاق: الآية ٦.
(٢) نقله ابن المنذر في "الإجماع" (ص ١٠٨ رقم ٤٤٣).
(٣) سورة الطلاق: الآية ٦.
(٤) ومذهب مالك والشافعي وجماعة: أن لها السكنى دون النفقة. انظر: "بداية المجتهد" بتحقيقنا (٣/ ١٧٨ - ١٧٩).
(٥) سورة البقرة: الآية ٢٤١.
(٦) تقدم تخريجه في حديث الباب رقم (٣/ ١٠٤١).
(٧) أخرجه مسلم رقم (٤٦/ ١٤٨٠)، والدارقطني في "السنن" (٤/ ٢٤ رقم ٦٩).