للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنهُ، وأخرجَ في الصحيحِ (١) مثلَه عنْ عليٍّ - رضي الله عنه - منْ حديثٍ بريدةَ، ويؤيدُ هذا مفهومُ القولِ ما أخرجَه أحمدُ منْ حديثٍ رُوَيْفَعٍ (٢): "مَنْ كَانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلا ينكحُ ثيِّبًا من السَّبايا حتَّى تحيضَ"، وإلى هَذا ذهبَ مالكٌ على تفصيلٍ أفادَه قولُ المازَرِي [من المالكية] (٣) في تحقيقِ مذهبِه حيث قالَ: إنَّ القولَ الجامعَ في ذلكَ أن كلَّ أمَةٍ أَمِنَ عليها الحملَ فلا يلزمُ فيها الاستبراءُ، وكلُّ مَنْ غَلَبَ على الظنِّ كونُها حاملًا أو شكَّ في حملها أو تردَّدَ فيهِ فالاستبراءُ لازِمٌ فيها، وكلُّ مَنْ غلبَ على الظنِّ براءةُ رحِمِها لكنَّه يجوزُ حصولُه فالمذهبُ على قولَيْنِ في ثبوتِ الاستبراءِ وسقوطِه، وأطالَ بما خلاصتُه: أن مأخذَ مالكٍ في الاستبراءِ إنَّما هوَ العلمُ ببراءةِ الرحم بحيثُ لا تُعْلَمُ ولا تُظَنُّ البراءةُ وجبَ الاستبراءُ وحيثُ تُعْلَمُ أو تُظَنُّ البراءةُ لم يجب الاستبراء، وبهذا قالَ ابنُ تيميةَ وتلميذُه ابنُ القيِّمِ (٤). والأحاديثُ الواردةُ في البابِ تشيرُ إلى أن العِلَّةَ الحملُ أو تجويزُه، وقدْ عرفتَ أن النصَّ وردَ في سبايا أوطاس وقِيسَ عليهِ انتقالُ الملكِ بشراءٍ أو غيرُه. وذهبَ داودَ الظاهريُّ (٥) إلى أنهُ لا يجبُ الاستبراءُ في غيرِ السَّبَايَا لأنهُ لا يقولُ بالقياسِ فوقفَ على محلِّ النصِّ، ولأن الشّراءَ ونحوَه عقد كالتزويج.

واعلمْ أن ظاهرَ أحاديثِ السَّبايا جوازُ وطْئِهِنَّ وإنْ لم يدخلْنَ في الإسلامٍ فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يذكرْ في حلِّ الوطْءِ إلَّا الاستبراءُ بحيضةٍ أو بوضعِ الحملِ، ولوْ كان الإسلامُ شرطًا لبَيَّنه وإلَّا لزِمَ تأخيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ ولا يجوزُ، فالذي قَضَى بهِ إطلاقُ الأحاديثَ وعملُ الصحابةِ في عهدِ [الرسول] (٦) - صلى الله عليه وسلم - يقضي جوازُ الوطْءِ للمسبيَّةِ منْ دونِ إسلامٍ، وقدْ ذهبَ إلى هذا طاوسُ وغيرُه. واعلمْ أن الحديثَ دلَّ بمفهومِه على جوازِ الاستمتاعِ قبلَ الاستبراءِ بدونِ الجماعِ، وعليهِ دلَّ


(١) في "صحيحه" (٨/ ٦٦ رقم ٤٣٥٠).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند" (٥/ ٣٥٩).
(٢) وهو حديث حسن تقدم تخريجه رقم (١٣/ ١٠٥١) من كتابنا هذا.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) انظر ما قاله ابن القيم في حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الاستبراء "زاد المعاد" (٥/ ٧١١ - ٧٤٥).
(٥) انظر: "المحلَّى" (١٠/ ٣١٥ - ٣٢٠ رقم ٢٠١١).
(٦) في (ب): "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".