للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحنفيةِ ومالكٍ وقالُوا: حدُّه ما وصلَ الجوفَ بنفسِه. وقد ادُّعِيَ الإجماعُ على أنهُ يحرِّمُ منَ الرِّضاعِ ما يفطرُ الصائمَ، واستدلُّوا بأنهُ تعالَى علَّق التحريمَ باسمِ الرضاعِ فحيثُ وجدَ اسمُه وجدَ حُكْمُهُ، ووردَ الحديثُ موافِقًا للآيةِ فقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "يَحْرُمُ منَ الرِّضَاعِ ما يَحْرُمُ منَ النسبِ" (١). ولحديثِ عقبةَ الآتي (٢)، [وقولُهُ] (٣) - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ وقدْ زعمتْ أنَّها أرضعتكما" ولم يستفصل عن عدد [الرضعات] (٤)، فهذه أدلتهم ولكنها اضطربتْ أقوالُهم في ضبطِ الرضعةِ وحقيقتها اضْطرابًا كَثِيرًا ولم يرجعْ إلى دليلٍ.

ويُجابُ عما ذكروهُ منَ التعليقِ باسمِ الرَّضاعِ أنهُ مُجْمَلٌ بيَّنهُ الشارعُ بالعددِ وضَبَطَهُ بهِ وبعدَ البيانِ لا يقالُ إنهُ تركَ الاستفصالَ.

القول الثالث: إنَّها لا تُحرِّم إلَّا خمسُ رضعات وهو قولُ ابن مسعودٍ وابنِ الزبيرِ والشافعيِّ وروايةٌ عنْ أحمدَ، واستدلُّوا بما يأتي منْ حديثٍ عائشةَ (٥) وهوَ نصٌّ في الخمسِ. وبأنَّ سهلةَ بنتَ سهيلٍ أرضعتْ سَالِمًا خمسَ رضعاتٍ ويأتي أيضًا (٦). وهذا وإنْ عارضَه مفهومُ حديثٍ المصَّةِ والمصَّتَانِ فإنَّ الحكمَ في هذا منطوقٌ وهوَ أَقْوَى منَ المفهومِ فهوَ مقدَّمٌ عليهِ، وعائشةُ وإنْ روتْ أن ذلكَ كانَ قرآنًا فإنَّ لهُ حُكْمَ خبرِ الآحادِ في العملِ بهِ كما عُرِف في الأصولِ، وقدْ عَضَدَهُ حديثُ سهلةَ فإن فيهِ أنَّها أرضعتْ سالمًا خمسَ رَضعاتٍ لتحرُمَ عليهِ وإنْ كانَ فعل صحابيةٍ فإنهُ دالٌ أنهُ قدْ كانَ متقرِّرًا عندَهم [أنها] (٧) لا [تحرم] (٨) إلا الخمسُ الرضعاتِ ويأتي تحقيقُه. وأما حقيقةُ الرضعةِ فَهيَ المرةُ مِنْ الرَّضَاعِ كالضربةِ من الضربِ والجلسةِ منَ الجلوسِ، فمتَى الْتَقَمَ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ وامتصَّ منهُ ثمَّ تركَ ذلكَ باختيارِهِ منْ غيرِ عارضٍ كانَ ذلكَ رضعةً، والقطعُ لعارضٍ كنَفَسٍ أوِ استراحةٍ يسيرةٍ أو لشيءٍ يلهِيهِ ثمَّ يعودُ منْ قريبٍ لا يخرجُها عنْ كَوْنِها رضعةً واحدةً، كما أن الآكِلَ إذا قطعَ أكْلَه بذلكَ ثم عادَ عنْ قريبٍ كانَ ذلكَ أكلةً واحدةً، وهذا


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٦٤٥)، ومسلم رقم (١٤٤٧) من حديث ابن عباس.
(٢) وهو حديث صحيح سيأتي رقم (١٠/ ١٠٦٧) من كتابنا هذا.
(٣) في (أ): "ولقوله".
(٤) في (أ): "الرضاع".
(٥) وهو حديث صحيح سيأتي رقم (٥/ ١٠٦٢) من كتابنا هذا.
(٦) وهو حديث صحيح سيأتي رقم (٣/ ١٠٦٠) من كتابنا هذا.
(٧) في (ب): "أنه".
(٨) في (ب): "يحرم".