للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يخطبُ الناسَ ويقولُ: يدُ المعطي العُلْيا وابدأْ بمنْ تعولُ، أمكَ وأباكَ وأُخْتُكَ وأَخاك ثمَّ أدْناكَ أدناك. رواهُ النسائيُّ وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والدارقطنيُّ)، الحديثُ كالتفسيرِ لحديثِ: اليدِ العليا خيرٌ منَ اليدِ السُّفْلَى. وفسَّرَ في "النهايةِ" (١): اليَدُ العُلْيَا بالمُعْطِيَةِ أو المنفِقَةِ، واليَدُ السُّفلَى بالمانِعَةِ أو السائلةِ. وقولُه: "ابدأ بمنْ تَعولُ" دليلٌ على وجوبِ الإنفاقِ على القريب. وقدْ فصَّلهُ بِذِكْرِ الأمِّ قبلَ الأبِ إلى آخرِ ما ذكرَهُ، فدلَّ هذَا الترتيبُ على أن الأمَّ أحقُّ منَ الأبِ بالبرّ. قالَ القاضي عياضٌ: وهوَ مذهبُ الجمهورِ ويدلُّ لهُ ما أخرجهُ البخاري (٢) منْ حديثِ أبي هريرةَ، فذكرَ الأمَّ ثلاثَ مراتٍ ثمَّ ذكرَ الأبَ معطوفًا بثُمَّ فمنْ [لمْ] (٣) يجد إلَّا كفايةً لأحَدِ أبويْهِ خصَّ [بهِ] (٤) الأمَّ للأحاديثِ هذهِ. وقدْ نبَّهَ القرآنُ على زيادةِ حقِّ الأمِّ في قولِهِ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (٥).

وفي قولِهِ: وأختَكَ [وأخاكَ] (٦) إلى آخرِهِ، دليلٌ على وجوبِ [الإنفاقِ للقريب] (٧) المعسرِ فإنهُ تفصيل لقولِهِ: وابدأ بمنْ تعولُ، فجعلَ الأخَ من عيالِهِ، وإلى هذَا ذهبَ عمرُ وابنُ أبي لَيْلَى وأحمدُ والهادي ولكنَّهُ اشترطَ في "البحر" (٨) أنْ يكونَ القريبُ وارِثًا بالنسبِ، مستدلًا بقولِه تعالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (٩) واللامُ للجنسِ، وعندَ الشافعيِّ أن النفقةَ تجبُ لفقيرٍ غيرِ مُكْتَسِب زمِنًا أو صَغيرًا أو مجنونًا لعجْزِه عنْ كفايةِ نفسهِ، قالُوا: فإنْ لمْ يكنْ فيهِ إحدَى هذِه الصفاتِ فأقوالٌ أحسنُها تجبُ لأنهُ يقبحُ أنْ يكلَّفَ التكسُّبَ مع اتساعِ مالِ قريبه. والثاني: المنعُ للقدرةِ على الكسبِ فإنهُ نازلٌ منزلةَ المالِ. والثالث: يجبُ نفقةُ الأصْلِ على الفرعِ دونَ العكسِ لأنهُ ليسَ منَ المصاحبةِ بالمعروفِ أنْ يُكَلَّفَ أصلُهُ التكسبَ معَ عُلُوِّ السنِّ، وعندَ الحنفيةِ يلزمُ التكسبُ لقريبٍ محرَّم فقيرٍ عاجزٍ عن الكسْبِ بقدرِ الإرثِ، هكذَا في كتبِ الفريقيْنِ.


(١) ابن الأثير: (٥/ ٢٩٣).
(٢) في "صحيحه" رقم (٥٩٧١).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (٢٥٤٨) من حديث أبي هريرة.
(٣) في (ب): "لا".
(٤) في (ب): "بها".
(٥) سورة الأحقاف: الآية ١٥.
(٦) في (أ): "وأخيك".
(٧) في (أ): "إنفاق القريب".
(٨) (٣/ ٢٨٠).
(٩) سورة البقرة: الآية ٢٣٣.