للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صارَ كالدَّيْنِ، ولا يُحْبَسُ لهُ معَ ظهورِ الإعسارِ اتفاقًا. وفي هذهِ المسألةِ قالَ محمدُ بنُ داودَ لامرأةٍ سألتْه عنْ إعْسارِ زوجِها فقالَ: ذهبَ ناسٌ إلى أنهُ يكلَّفُ السعيَ والاكتسابَ، وذهبَ قومٌ إلى أنها تُؤمَرُ المرأةُ بالصَّبْرِ والاحتسابِ، فلم تفهمْ منهُ الجوابَ فأعادتِ السؤالَ وهوَ يجيبُها ثمَّ قالَ: يا هذهِ قدْ أجبتُكِ ولستُ قاضيًا فأقضي، ولا سُلْطَانًا فأمضي، ولا زَوْجًا فأُرْضِي. وظاهرُ كلامِه، الوقفُ [في هذهِ المسألةِ] (١) فيكونُ قولًا رابعًا.

القولُ الخامسُ: أن الزوجةَ إذا كانتْ موسِرَةً وزوجُها معسرٌ كُلِّفَت الإنفاقَ على زوجِها ولا ترجعُ عليهِ إذا أيسرَ لقولِهِ تعالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (٢)، وهوَ قولُ [أبي محمدِ] (٣) ابن حزمٍ (٤). وَرُدَّ بأن الآيةَ سياقها في نفقةِ المولودِ الصغيرِ ولعلَّهُ لا يرى التخصيصَ بالسياقِ.

القولُ السادسُ: لابنِ القيِّم (٥) وهوَ أن المرأةَ إذا تزوَّجته عالمةً بإعسارهِ أوْ كانَ موسِرًا ثمَّ أصابتْه جائحةٌ فإنهُ لا فسخَ لها وإلا كانَ لها الفسخُ. وكأنهُ جعلَ عِلْمَها رِضَا [بإعساره] (٦) ولكنْ حيثُ كانَ موسِرًا عندَ تزوجِهِ ثم أعسرَ للجائحةِ لا يظهرُ وجْهُ عدمِ ثبوتِ الفسخِ لها. إذا عرفتَ هذهِ الأقوالَ عرفتَ أن أَقْواها دليلًا وأكثرَها قائلًا هوَ القولُ الأولُ. وقدِ اختلَفَ القائلونَ بالفسخِ في تأجيلهِ بالنفقةِ، فقالَ مالكٌ: يُؤَجَّلُ شهرًا، وقالَ الشافعيُّ: ثلاثةَ أيامٍ، وقالَ حمادُ: سنةً، وقيلَ: شَهْرًا أوْ شَهْرَيْنِ.

قلت: ولا دَلِيلَ على التعيينِ بلْ ما يحصلُ بهِ التضررُ الذي يُعْلَمُ، ومَنْ قالَ: إنهُ يجبُ عليهِ التطليقُ قالَ: ترافِعُهُ الزوجةُ إلى الحاكمِ لينفقَ أو يطلِّقَ، وعلى القولِ بأنهُ فسخٌ ترافعُهُ إلى الحاكمِ ليثبتَ الإعسارَ ثمَّ تفْسَخُ هيَ، وقيلَ ترافعُه إلى الحاكمِ فيجبره على الطلاقِ أو يفسخَ عليهِ أو يأذنَ لها في الفسخِ؛ فإنْ فسخَ أو أذِنَ في الفسْخِ فهو فسخٌ لا طلاقٌ ولا رجعةَ له، وإنْ أيسرَ في العدَّةِ فإنْ طلَّقَ كانَ طلاقه رجعيًا له فيهِ الرجعةُ، واللَّهُ أعلم.


(١) زيادة من (ب).
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٣٣.
(٣) زيادة من (أ).
(٤) في "المحلى" (١٠/ ٩٢).
(٥) في "زاد المعاد" (٥/ ٥٢١).
(٦) في (ب): "بعسرته".