للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إنهُ أُنثَى، وقيلَ: ذكرٌ، والحديثُ ليسَ فيهِ تخييرُ الصبيِّ إذْ الظاهرُ أنهُ لم يبلغْ سنَّ التخييرِ فإنهُ إنَّما أقعدَهُ - صلى الله عليه وسلم - بينَهما ودَعَا أنْ يهديَهُ اللَّهُ فاختارَ أباهُ لأجْلِ الدعوةِ النبويةِ، فليسَ منْ أدلةِ التخيير.

وفي الحديث دليل على ثبوتِ حقّ الحضانةِ للأمِّ الكافرةِ وإنْ كانَ الولدُ مُسْلِمًا، إذْ لوْ لم يكنْ لها حق لم يقعدْه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بينَهما. وإلى هذا ذهبَ أهلُ الرأي والثوريُّ. وذهبَ الجمهورُ إلى أنَّهُ لا حقَّ لها معَ كُفْرِهَا، قالُوا: لأنَّ الحاضنَ يكونُ حريصًا على تربيةِ الطفلِ على دِيْنِهِ؛ ولأنَّ الله تعالَى قطعَ الموالاةَ بينَ الكافرينَ والمسلمينَ وجعلَ المؤمنينَ بعضُهم أَوْلَى ببعضٍ وقالَ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)} (١)، والحضانةُ ولايةٌ لا بدَّ فيها من مراعاةِ مصلحةِ المولَّى عليه كما عرفتَ قريبًا. وحديثِ رافعِ قدْ عرفتَ عدمَ انتهاضهِ، وعلى القولِ بصِحَّتِهِ فهو منسوخٌ بالآياتِ القرآنيةِ هذهِ، وكيفَ تثبتُ الحضانةُ للأمِّ الكافرةِ مَثَلًا وقدِ اشترطَ الجمهورُ وهمُ الهادويةُ وأصحابُ أحمدَ والشافعيُّ عدالةَ الحاضنةِ وأنهُ لا حقَّ للفاسقةِ فيها وإنْ كانَ شَرْطًا في غايةٍ منَ البعْدِ، ولوْ كانَ شَرْطًا في الحاضنةِ لضاعَ أطفالُ العالمِ، ومعلومٌ أنهُ لم يزلْ منذُ بعثَ اللَّهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تقومَ الساعةُ أطفالُ الفساقِ بينَهم يُرَبُّونَهم لا يتعرضُ لهم أحدٌ منْ أهلِ الدنيا معَ أنَّهم الأكثرونَ، ولا يُعْلَمُ أنهُ انتُزِعَ طفلٌ منْ أبويْهِ أوْ أحدِهما لِفِسْقِهِ، فهذَا الشرطُ باطلٌ لعدمِ العاملِ بهِ. نعَمْ يُشْتَرَطُ كونُ الحاضِنِ عاقلًا بالغًا فلا حضانةَ لمجنون ولا معتوهٍ ولا طفلٍ، إذْ هؤلاءِ يحتاجونَ من يحضنُهم ويكفيهم، وأما اشتراطُ حريةِ الحاضنِ فقال بهِ الهادويةُ [وأصحابُ] (٢) الأئمةِ الثلاثةِ وقالُوا: لأنَّ المملوكَ لا ولايةَ لهُ على نفسهِ فلا يتولَّى غيرَه والحضانةُ ولايةٌ. وقالَ مالكٌ في حُرٍّ لهُ ولدٌ منْ أمة إنَّ الأمَّ أحقُّ بهِ ما لم تُبَعْ فتنتقلْ فيكونُ الأبُ أحقَّ بها، واستدلَّ بعمومِ حديثِ: "لا تُوَلَّهُ والِدَةٌ عَنْ وَلَدِها"، وحديثِ: "مَنْ فَرَّقَ بينَ والدةٍ وولدِها فرَّقَ اللَّهُ بينَهُ وبينَ أحِبَّتِهِ يومَ القيامةَ"، أخرجَ الأولَ البيهقيُّ (٣) منْ حديثِ أبي بكْرٍ وحسَّنَهُ


(١) سورة النساء: الآية ١٤١.
(٢) زيادة من (ب).
(٣) في "السنن الكبرى" (٨/ ٥).