للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَجَعَلَهُ في بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَلَا اشْهَدُوا فَإِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (١) وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. [صحيح]

(وعنِ ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ أعْمى كانتْ لهُ أمُّ ولدٍ تشتمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وتقعُ فيهِ فينْهاها فلا تنتهي فلمَّا كانَ ذاتَ ليلةٍ أخذَ المِعْوَلَ) بكسرِ الميمِ وعينٍ مهملةٍ وفتحِ الواو [الحديدة ينقر بها الجبال] (٢) (فجعلَه في بطْنِها واتَّكأَ عليهِ فقتلَها فبلغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: ألا اشْهَدُوا أن دَمها هَدَرٌ. رواهُ أبو داودَ ورواتُه ثِقَاتٌ).

الحديثُ دليلٌ على أنهُ يُقْتَلُ منْ سبَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويُهْدَرُ دمُه، [فإنْ] كانَ مُسْلِمًا كان سبُّه لهُ - صلى الله عليه وسلم - رِدَّةً فيقتلُ، قالَ ابنُ بطَّالٍ من غيرِ استتابةٍ. ونقلَ ابنُ المنذرِ عن الأوزاعيِّ والليثِ أنهُ يستتابُ، وإنْ كانَ منْ أهلِ العهدِ فإنهُ يقتلُ إلَّا أنْ يُسْلِمُ.

ونقلَ ابنُ المنذرِ عنِ الليثِ والأوزاعيِّ والشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ أنهُ يُقْتَلُ أيضًا من غيرِ استتابةٍ، وعنِ الحنفيةِ أنهُ يُعَزَّرُ المعاهِدُ ولا يُقْتَلُ، واحتجَّ الطحاويُّ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلِ اليهودَ الذينَ قالُوا السَّامُ عليكَ (٣) ولوْ كانَ هذا مِنْ مسلمٍ لكانَ رِدَّةً ولأنَّ ما همْ عليهِ منَ الكفرِ أشدُّ منَ السبِّ.

قلتُ: يؤيدُه أنَّ كفرَهم بهِ - صلى الله عليه وسلم - معناهُ أنهُ كذابٌ وأيُّ سبٍّ أفحشُ منْ هذَا وقدْ أُقرُّوا عليهِ، إلا أنْ يُقَالَ: إنَّ هذا النصَّ في حديثِ الأَمةِ يقاسُ عليهِ أهلُ الذِّمةِ. وأما القولُ بأنَّ دماءَهمْ إنما حُقِنَتْ بالعهدِ وليسَ في العهدِ أنَّهم لا يسبُّونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فمنْ سبَّهُ منْهم انتقضَ عهدُه فيصيرُ كافرًا بلا عهدٍ فَيُهْدَرُ دمُه، فقدْ يُجَابُ عنهُ أنَّ عهدَهم تضمَّنَ إقرارَهم على تكذيبِهم لهُ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ أعظمُ سبٍّ إلَّا أنْ يقالَ يُخَصُّ منْ بينِ غيرِهِ منَ السبِّ، واللهُ أعلمُ.


(١) في "السنن" رقم (٤٣٦١). قلت: وأخرجه النسائي (٧/ ١٠٧ - ١٠٨)، وهو حديث صحيح.
(٢) زيادة من (أ).
(٣) يشير المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تعالى إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (٥٢٠٦)، والترمذي رقم (١٦٠٣) وقال: حديث حسن صحيح. من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إن اليهودَ إذا سلَّمَ عليكم أحدُهم فإنما يقول: السَّامُ عليكم، فقولوا: وعليكم"، وهو حديث صحيح.