للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ الحازميُّ (١): وذهبَ إلى هذا أحمدُ وإسحاقُ وداودُ وابنُ المنذرِ وهوَ مذهبُ الهادويةِ (٢) وذهبَ غيرُهمُ إلى أنهُ لا يُجْمَعُ بينَ الجلدِ والرَّجْمِ، قالُوا: وحديثُ عبادةَ منسوخٌ بقصةِ ماعزٍ والغامدية والجهنية واليهوديين، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - رجمهُم ولم يُرْوَ أنهُ جلَدَهُم. قالَ الشافعيُّ (٣): فدلتِ السُّنَّةُ على أنَّ الجلدَ ثابتٌ على البِكْرِ ساقِطٌ عنِ الثيِّبِ، قالُوا: وحديثُ عبادةَ مقدَّمٌ.

وأُجِيْبَ بأنهُ ليسَ في قصةِ ماعزٍ ومنْ ذكرَ معهُ على تقديرِ تأخُّرِها تصريحٌ بسقوطِ الجلْدِ عنِ المرجومِ لاحتمالِ أنْ يكونَ تركَ روايتِه لوضوحِه ولكونِه الأصلَ. واحتجَّ الشافعيُّ بنظيرِ هذَا حينَ عُورِضَ في إيجابِ العمرةِ (٤) بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ مَنْ سأَلُه أنْ يحجَّ عنْ أبيهِ ولم يذكرِ العمرةَ، فأجابَ بأنَّ السكوتَ عنْ ذلكَ لا يدلُّ على سقوطِه، إلَّا أنهُ قدْ يُقَالُ إنَّ جَلْدَ مَنْ ذكرَ مِنَ الخمسةِ الذينَ رجمَهُم النبي - صلى الله عليه وسلم - لو وقعَ معَ كثرةِ مَنْ يحضرُ عذابَهما منْ طوائفِ المؤمنينَ لبعد أنهُ لا يرويْهِ أحدٌ ممنْ حضرَ، فعدمُ [إثباتِه] (٥) في روايةٍ منَ الرواياتِ معَ تنوُّعِها واختلاف ألفاظِها دليلٌ أنهُ لم يقعِ الجلدُ فيقْوَى معهُ الظنُّ بعدمِ [وقوعه] (٦).

وفِعلُ عليٍّ عَلَيْه السَّلام ظاهرٌ أنهُ اجتهادٌ منهُ لقولِه جلدتُها بكتابِ اللهِ ورجمتُها بسنةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فإنهُ ظاهرٌ أنهُ عَمِلَ [برأيه في الجمع] (٧) بينَ الدليليْنِ فلا يتمُّ القولُ بأنهُ توقيفٌ، وإن كان في قوله بسنةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشعر بأنهُ توقيفٌ.

قلتُ: ولا يخْفَى قوةُ دلالةِ حديثِ عبادةَ علَى إثباتِ جلدِ الثيِّبِ ثمَّ رجْمِه، ولا يخْفَى ظهورُ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يجلدْ مَنْ رَجمَهُ، فأنا أتوقَّفُ في الحكمِ حتَّى يفتحَ اللهُ وهوَ خيرُ الفاتحينَ. وكنتُ قدْ جزمْتُ في "منحةِ الغفَّارِ" (٨) بقوةِ القولِ بالجمعِ بينَ الجلدِ والرَّجْمِ ثمَّ حصلَ لي التوقفُ هاهنا.


(١) في "الاعتبار" للحازمي (٤٧٣).
(٢) "الاعتصام" للقاسم بن محمد (٥/ ٦١ - ٦٢).
(٣) "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (٤/ ١٤٦).
(٤) "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (١/ ٤٦٠).
(٥) في (أ): "إتيانه".
(٦) في (ب): "وجوبه".
(٧) في (ب): "باجتهاده بالجمع".
(٨) وهي حاشية الأمير الصنعاني على "ضوء النهار … " المسمَّاة: "منحة الغفار على ضوء النهار" (٤/ ٢٢٥٨).