للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مخادِعًا للمستعَارِ منهُ ثمَّ تصرَّفَ في العاريةِ وأنكرَها لمَّا طُولِبَ بها، قالَ: فإنَّ هذا لا يُقْطَعُ بمجرَّدِ الخيانةِ بَلْ لمشاركةِ السارقِ في أخذِ المالِ خِفْيَةً.

والحديثُ فيهِ كلامٌ كثيرٌ للعلماءِ [الحديثِ] (١) وقد صحَّحَهُ مَنْ سمعتَ، وهذا [دل] (٢) على أنَّ الخائنَ لا قطعَ عليهِ.

والمرادُ (بالخائنِ) الذي يضمرُ ما لا يظهرهُ في نفسِه، والخائنُ هنا هوَ الذي يأخذُ المالَ خِفْيةً منْ مالكِهِ معَ إظهارهِ لهُ النصيحةَ والحِفْظَ. والخائنُ أعمُّ، فإنَّها قدْ تكونُ الخيانةُ في غيرِ المالِ ومنهُ خائنةُ الأعينِ وهيَ مسارقَةُ [النظر] (٣) بِطَرْفِهِ ما لا يحلُّ لهُ [النظر إليه] (٤).

(والمنتهِبُ) المغيرُ، منَ النهبةِ وهي الغارةُ والسلبُ، وكأنَّ المرادَ هنَا ما كانَ على جهةِ الغلَبةِ والقهرِ. (والمختلِس) السالبُ، من اختلَسهُ إذا سلَبهُ.

واعلمْ أنَّ العلماءَ اختلفُوا في شرطيةِ أنْ تكونَ السرقةُ في حِرْزٍ، فذهبَ أحمدُ بنُ حنبلٍ وإسحاقُ وهوَ قولٌ للناصرِ والخوارجُ (٥) إلى أنهُ لا يشترطُ لعدمِ ورودِ الدليلِ باشتراطهِ منَ السنَّةِ لإطلاقِ الآيةِ، وذهبَ غيرُهم (٦) إلى اشتراطهِ مستدلِّينَ بهذَا الحديثِ، إذْ مفهومُه لزومُ القطعِ فيما أُخِذَ بغيرِ ما ذُكِرَ وهوَ ما كانَ عنْ خفيةٍ، وأُجِيْبَ بأنَّ هذا مفهومٌ ولا تثبُتُ بهِ قاعدةٌ يقيدُ بها القرآنُ، ويؤيدُ عدمَ إعتبارِه أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قطعَ يدَ مَنْ أخذَ رداءَ صفوانَ (٧) منْ تحتِ رأسِه منَ المسجدِ الحرامِ وبأنهُ - صلى الله عليه وسلم - قطعَ يدَ المخزوميةِ (٨)، وإنَّما كانتْ تجحدُ ما تستعيرُه.

وقالَ ابنُ بطَّالٍ (٩): الحِرْزُ مأخوذٌ في مفهومِ السرقةِ لغةً، فإنْ صحَّ فلا بدَّ منَ التوفيقِ بينَه وبينَ ما ذُكِرَ مما لا يدلُّ على اعتبار الحرزِ، فالمسألةُ كما تَرى والأصلُ عدمُ الشرطِ، وأنا أستخيرُ اللهَ تعالى وأتوقفُ حتَّى يفتحَ اللهُ.


(١) زيادة من (ب).
(٢) في (ب): "دال".
(٣) في (ب): "الناظر".
(٤) في (ب): "نظره".
(٥) "المغني" (١٠/ ٢٤٦ رقم ٧٢٥٧)، "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٥)، و"الدراري المضيئة" (٢/ ٣٦٤).
(٦) "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٤) بتحقيقنا.
(٧) أخرج الحديث النسائي (٨/ ٦٨ رقم ٤٨٧٨ و ٤٨٧٩، و ٤٨٨٠)، وتقدم تخريجه قريبًا.
(٨) تقدم تخريجه قريبًا، وانظر: "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٠) بتحقيقنا.
(٩) "فتح الباري" (١٢/ ٩٨).