للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثالثةُ: أنهُ أجملَ في الحديثِ الغرامةَ والعقوبةَ، ولكنَّه أخرجَ البيهقيُّ (١) تفسيرَها بأنَّها غرامةُ مِثْلَيْهِ وبأنَّ العقوبةَ جلداتٌ نكالًا.

وقدِ استُدِلَّ بحديثِ البيهقيِّ هذَا (٢) على جوازِ العقوبةِ بالمالِ فإنَّ غرامة مِثْلَيْهِ منَ العقوبةِ بالمالِ، وقدْ أجازَهُ الشافعيُّ في القديمِ ثمَّ رجعَ عنهُ وقالَ: لا تُضَاعَفُ الغرامةُ على أحدٍ في شيءٍ إنَّما العقوبةُ في الأبدانِ لا في الأموالِ، وقالَ: هذَا منسوخٌ والناسخُ لهُ قضاءُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على أهلِ الماشيةِ بالليلِ ما أتلفتْ فهوَ ضامنٌ أي مضمونٌ على أَهْلِها، قالَ: وإنَّما يضمنُونَهُ بالقيمةِ. وقدْ قدَّمنا الكلامَ في ذلكَ في حديثِ بهزٍ في الزكاةِ.

الرابعةُ: أُخِذَ منهُ اشتراطُ الحرزِ في وجوبِ القطعِ لقولِه - صلى الله عليه وسلم -: (بعدَ أن يؤويَهُ الجرينُ)، وقولُه في الحديثِ الآخَرِ: "لا قطْع في ثمرٍ [ولا كثر] (٣) ولا في حريسة الجبلِ، فإذا آواهُ الجرينُ أوِ المِراحُ فالقطعُ فيما بلغَ ثَمَنَ المِجَنِّ"، أخرجَهُ النسائيُّ (٤).

قالُوا: والإحرازُ مأخوذٌ في مفهومِ السرقةِ، فإنَّ السرقةَ والاستراقَ هوَ المجيءُ مُستَتِرًا في خفيةٍ لأَخْذِ مالِ غيرِه منْ حِرْزٍ كما في "القاموس" وغيرِه. فالحرزُ مأخوذٌ في مفهومِ السرقةِ لغةً ولِذَا لا يُقَالُ لِمَنْ خانَ أمانَتهُ سارقٌ، وهذا مذهبُ الجمهورِ (٥).

وذهبتِ الظاهريةُ وآخرونَ (٦) إلى عدمِ اشتراطهِ عملًا بإطلاقِ الآيةِ الكريمةِ (٧) إلَّا أنهُ لا يخْفَى أنهُ إذا كانَ الحرزُ مأخوذًا في مفهومِ السرقةِ فلا إطلاقَ في الآيةِ.

واعلمْ أنَّ حريسةَ الجبلِ بالحاءِ المهملةِ مفتوحةً فراءٍ فمثناةٍ تحتيةٍ فسينٍ مهملةٍ، والجبلُ بالجيمِ فموحدةٍ قيلَ هيَ المحروسةُ، أي ليسَ فيما يحرسُ بالجبلِ إذا سُرقَ قَطْعٌ لأنهُ ليسَ بموضعِ حرزٍ، وقيلَ حريسةُ الجبلِ الشاةُ التي يدركُها الليلُ


(١) "السنن الكبرى" (٨/ ٢٧٨).
(٢) "السنن الكبرى" (٨/ ٢٧٨).
(٣) زيادة من (أ).
(٤) "السنن" (٨/ ٨٤ - ٨٥ رقم ٤٩٥٧).
(٥) "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٤ - ٤٠٥) بتحقيقنا.
(٦) "المحلَّى" (١١/ ٣٢٣ - ٣٢٤)، و"بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٥) بتحقيقنا.
(٧) سورة المائدة: الآية ٣٨.