للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العمومُ أصحُّ لأنَّها حُرِّمتْ وما بالمدينةِ خمرُ عنبٍ، ما كانَ إلَّا البسرُ والتمرُ، انتَهى. وكأنهُ يريدُ أنَّ العمومَ حقيقةٌ. وسُمِّيَتْ خمرًا، قيلَ: لأنَّها تخمرُ العقلَ أي تسترُهُ فيكونُ بمعنَى اسمِ الفاعلِ أي الساتر للعقلِ، وقيلَ: لأنَّها تُغَطَّى حتَّى تشتدَّ، يقالُ: خَمَّرهُ أي غطَّاه فيكونُ بمعنَى اسمِ المفعولِ، وقيلَ: لأنَّها تخالطُ العقلَ، مِنْ خامرَهُ إذا خالطَه، ومنهُ: هَنِيْئًا مَرِيْئًا غيرَ داءٍ مخامِرٍ، أي مخالِطٍ. وقيلَ: لأنَّها تُتْرَكُ حتَّى تُدْرَكَ، ومنهُ اختَمر العجينُ أي بلَغَ إدراكَهُ، وقيلَ: إنها مأخوذةٌ منَ الكلِّ لاجتماعِ المعاني هذهِ فيهَا.

قالَ ابنُ عبدِ البرِّ (١): الأوجهُ كلَّها موجودةٌ في الخمرِ لأنَّها تُرِكَتْ حتَّى أدركَتْ وسَكَنتْ، فإذا شُرِبَتْ خالطتِ العقلَ حتَّى تغلبَ عليهِ وتغطيهِ.

قلتُ: فالخمرُ تُطْلَقُ على عصيرِ العِنَبِ المشتدِّ حقيقةً إجماعًا، وفي "النجمِ الوهَّاجِ": الخمرُ بالإجماعِ المسكرُ منْ عصيرِ العنبِ وإن لم يقذفْ بالزَّبَدِ. واشترطَ أبو حنيفةَ (٢) أنْ يقذِفَ وحينئذٍ لا يكونُ مُجْمَعًا عليهِ. واختلفَ أصحابُنا في وقوعِ الخمرِ على الأنبذةِ حقيقة، فقالَ المزنيُّ وجماعةٌ بذلكَ لأنَّ الاشتراكَ في الصفةِ يقتضي الاشتراكَ في الاسمِ، وهوَ قياسٌ في اللغةِ وهوَ جائِزٌ عندَ الأكثرِ، وهوَ ظاهرُ الأحاديثِ، ونسبَ الرافعيُّ (٣) إلى الأَكثريْنَ أنهُ لا يقعُ علَيْها إلَّا مَجَازًا.

قلتُ: وبه جزمَ ابنُ سَيْدَهْ في المحكمِ (٤) وجزمَ بهِ صاحبُ "الهدايةِ" (٥) منَ الحنفيةِ حيثُ قالَ: الخمرُ عندَنا ما اعتُصرَ منْ ماءِ العنبِ إذا اشتدَّ، وهوَ المعروفُ عندَ أهلِ اللغةِ وأهلِ العلمِ. وَرَدَّ ذلكَ الخطابيِّ (٦) [حيث] (٧) قالَ: زعمَ قومٌ أنَّ العربَ لا تعرفُ الخمرَ إلَّا منَ العنبِ، فيقَالُ لهمْ: إنَّ الصحابةَ الذينَ سمُّوا غيرَ المتَّخَذِ منَ العنبِ خمرًا عربٌ فصحاءُ، فلوْ لمْ يكنِ هذا الاسمُ صحيحًا لما أطلقُوهُ.


(١) "التمهيد" (١/ ٢٤٤).
(٢) "شرح فتح القدير" (٥/ ٨٠).
(٣) انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٩).
(٤) "فتح الباري" (١٠/ ٤٩).
(٥) انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٧ - ٤٨)، و"الهداية" المرغيناني (٤/ ١٠٨).
(٦) "فتح الباري" (١٠/ ٤٨).
(٧) في (ب): "و".