للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منامهِ) ظاهرهُ ليلًا، أو نهارًا، (فَلْيَسْتَنْثِرَ ثلاثًا) في القاموسِ (١): استنثرَ استنشق الماءَ، ثمَّ استخرجَ ذلك بنفَسِ الأنفِ اهـ. وقدْ جمع بينهما في بعضِ الأحاديث، فمعَ الجمعِ يرادُ من الاستنثارِ دفعُ الماءِ من الأنفِ، ومنَ الاستنشاقِ جذبُهُ إلى الأنفِ.

(فَإِنَّ الشيطانَ يبيت على خَيْشُومِهِ) هو أعلى الأنفِ، وقيلَ: الأنفُ كلُّهُ، وقيلَ: عظامٌ رقاقٌ ليِّنة في أقصى الأنفِ، بينهُ وبين الدماغِ، وقيلَ غيرُ ذلك (متفقٌ عليهِ). [وهذا لفظ مسلم] (٢).

الحديثُ دليلٌ على وجوبِ الاستنثار عند القيامِ منَ النومِ مطلقًا، إلَّا أن في روايةٍ للبخاريِّ: (إذَا استيقظَ أحدُكم منْ منامهِ فتوضأَ، فَلْيستنثرَ ثلاثًا؛ فإنَّ الشيطانَ - الحديثُ)، فيقيدُ الأمر المطلقُ به هنا بإرادةِ الوضوءِ، ويقيد النومُ بمنامِ الليلِ، كما يفيدُهُ لفظُ: (يبيت)؛ إذ البيتوتة فيه، وقد يقالُ: إنهُ خرجَ على الغالبِ، فلا فرقَ بين نومِ الليلِ ونوم النهارِ.

والحديث من أَدِلةِ القائلينَ بوجوبِ الاستنثار دونَ المضمضةِ، وهو مذهبُ أحمدَ وجماعةٍ. وقال الجمهورُ: لا يجب بل الأمر للندبِ، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابيِّ: (توضأ كما أمركَ اللَّهُ)، وعيَّنَ له ذلك في قوله: (لا تتمُّ صلاةُ أحدٍ حتى يسبغ الوضوء كما أمرهُ اللَّهُ، فيغسلُ وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسَهُ ورجليهِ إلى الكعبين) كما أخرجهُ أبو داود (٣) منْ حديث رفاعةَ؛ ولأنهُ قدْ ثبتَ [من روايات] (٤) صفة وضوئهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ حديثِ عبد اللَّهِ بن زيدٍ (٥)، وعثمانَ (٦) وابن عمرٍو بن العاصِ (٧) عدمُ ذكرهِما، معَ استيفاءِ صفةِ وضوئِه، وثبت ذكرُهُما أيضًا، وذلكَ منْ أدلةِ الندبِ.

وقولُهُ: (يبيت الشيطانُ)، قال القاضِي عياضُ: يحتملُ أنْ يكونَ على حقيقتهِ، فإنَّ الأنف أحدُ منافذ الجسمِ التي يُتَوَصَّلُ إلى القلبِ منها بالاشتمام،


(١) (المحيط) ص (٦١٦).
(٢) زيادة من النسخة (ب).
(٣) في (السنن) (١/ ٥٣٦) رقم (٨٥٨)، وهو حديث صحيح.
(٤) في نسخة (أ): (في رواية).
(٥) تقدم تخريجه رقم: (٤/ ٣٢).
(٦) تقدم تخريجه رقم: (٢/ ٣٠).
(٧) تقدم تخريجه رقم: (٥/ ٣٣).