للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شاربَ الخمرِ فإنهُ لو ماتَ وَدَيْتُه) بتخفيفِ الدالِ المهملةِ وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، أي غرِمتُ ديتَهُ [من بيت المال] (١)، (أخرجَهُ البخاريُّ).

فيهِ دليلٌ على أنَّ الخمرَ لم يكنْ فيهِ حدٌّ محدودٌ منْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فهوَ منْ بابِ التعزيراتِ، فإنْ ماتَ ضمنَه الإمامُ، وكذَا كلُّ معزَّرٍ يموتُ بالتعزيرِ يضمنُه الإمامُ، وإلى هذا ذهبَ الجمهورُ.

وذهب الهادويةُ (٢) إلى أنهُ لا شيءَ فيمنْ ماتَ بحدٍّ أو تعزيرٍ قياسًا منْهم للتعزيرِ على الحدِّ بجامعِ أنَّ الشارعَ قدْ أذنَ فيهما، قالُوا: وقولُ عليٍّ - عَلَيْه السَّلام - هذا إنَّما هوَ للاحتياطِ، وتقدَّمَ الجوابُ بأنهُ إذا أعنتَ في التعزيرِ دلَّ على أنهُ غيرُ مأذونٍ فيهِ منْ أصلِهِ بخلافِ الإعناتِ في الحدِّ فإنهُ لا يُضْمَنُ لأنهُ مأذونٌ في أصلهِ، فإنْ أعنتَ فإنهُ للخطأِ في صفتِه وكأنَّهم يريدونَ أنهُ لم يكنْ مأذونًا في غيرِ ما أَذنَ بهِ بخصوصِهِ كالضربِ مثلًا، وإلَّا فهوَ مأذونٌ في مطلقِ التعزيرِ.

وتأويلُهم لقولِ عليٍّ - عَلَيْه السَّلام - ساقطٌ، فإنهُ صريحٌ في أنَّ ذلكَ واجبٌ لا مِنْ بابِ الاحتياطِ، ولأنَّ في تمامِ حديثِه: "لأنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يسنَّهُ"، وأما قولُه: "جلَدَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أربعينَ - إلى قولِهِ - وكلٌّ سنَّةٌ" (٣) تقدَّمَ، فلعلَّهُ يريدُ أنهُ جلدَ جلْدًا غيرَ مقدَّرٍ ولا تقرَّرتْ صفتُه بالجريدِ والنعالِ والأيدي، ولِذَا قالَ أنسٌ نحوَ أربعينَ.

قالَ النوويُّ في "شرحِ مسلمٍ" (٤) ما معناهُ: وأما مَنْ ماتَ في حدٍّ منَ الحدودِ غيرِ الشربِ فقدْ أجمعَ العلماءُ على أنهُ إذَا جلدهُ الإمامُ أو جلَّادُه فماتَ فإنهُ لا دِيةَ ولا كفارةَ على الإمامِ ولا على جلَّادِهِ ولا [على] (٥) بيتِ المالِ، وأما مَنْ ماتَ بالتعزيرِ فمذهبُنا وجوبُ الضمانِ للديةِ والكفارةِ، [ثم] (٦) ذكرَ تفاصيلَ في ذلكَ مذهبيةً.


(١) زيادة من (أ).
(٢) انظر: "البحر الزخار" (٥/ ١٩٥).
(٣) تقدم تخريجه رقم (٢/ ١١٦٤) من كتابنا هذا.
(٤) في "شرح مسلم" (١١/ ٢٢١).
(٥) زيادة من (أ).
(٦) زيادة من (أ).