للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ يسقطُ فرضُ الجهادِ معَ وجودِ الأبويْنِ أو أحدِهما لما أخرجَهُ أحمدُ (١) والنسائيُّ (٢) منْ طريقِ معاويةَ بنِ جاهمةَ أنَّ أباهُ جاهمةَ جاءَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: يا رسولَ اللهِ أردتُ الغزوَ وجئتُ لأستشيركَ، فقالَ: "هلْ لكَ منْ أمِّ؟ " قالَ: نعمْ، قالَ: "الزمْها". وظاهرُه سواءٌ كانَ الجهادُ فرضَ عينٍ أوْ فرضَ كفايةٍ، وسواءٌ تضررَ الأبوانِ بخروجِه أَوْ لا.

وذهبَ الجماهيرُ منَ العلماءِ إلى أنهُ يحرمُ الجهادُ على الولدِ إذا منعهُ الأبوانِ أو أحدُهما بشرطِ أنْ يكونا مسلميْنِ، لأنَّ برَّهُما فرضُ عينٍ والجهادُ فرضُ كفايةٍ، فإذا تعيَّنَ الجهادُ فلا يشترط إذنهما، (فإن قيلَ): برُّ الوالدينِ فرضُ عينٍ والجهادُ عندَ تعيينِه فرضُ عينٍ فَهُمَا مستويانِ فما وجْهُ تقديمِ الجهادِ؟

قلتُ: لأنَّ مصلحتَهُ أعمُّ، إذْ هيَ لحفظِ الدينِ والدفاعِ عنِ المسلمينَ فمصلحتُه عامةٌ مقدَّمةٌ على غيرِها، وهوَ يقدَّمُ على مصلحةِ حفظِ البدنِ. وفيهِ دلالةٌ على عِظَمِ برِّ الوالدينِ فإنهُ أفضلُ منَ الجهادِ، وأنَّ المستشارَ يشيرُ بالنصيحةِ المحضةِ، وأنهُ ينبغي لهُ أنْ يستفصلَ من يستشير ليدله على ما هوَ الأفضلُ.

٥/ ١١٨٤ - وَلأَحْمَدَ (٣) وَأَبي دَاوُدَ (٤) مِنْ حَدِيثِ أَبي سَعِيدٍ نحوُهُ، وَزَادَ: "ارْجِع فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا". [حسن]

(ولأحمدَ وأبي داودَ منْ حديثٍ أبي سعيدٍ نحوُهُ) في الدلالةِ على أنهُ لا يجبُ عليهِ الجهادُ ووالداهُ في الحياةِ إلَّا بإذنِهمَا كما دلَّ لهُ قولُه: (وزادَ) أي أبو سعيدٍ


(١) في "المسند" (٣/ ٤٢٩).
(٢) في "السنن" (٦/ ١١ رقم ٣١٠٤) بسند حسن.
قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٦)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/ ١٣٨) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات.
(٣) في "المسند" (٣/ ٧٥، ٧٦)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (٨/ ١٣٧ - ١٣٨) وقال: إسناد حسن. قلت: فيه درَّاج أبي السمح ضعيف.
(٤) في "السنن" رقم (٢٥٣٠).
قلت: وأخرجه الحاكم (٢/ ١٠٣، ١٠٤)، والبيهقي (٩/ ٢٦) وصحَّحه الحاكم. ولكن الذهبي تعقبه فقال: درَّاج واه. ولكن للحديث شواهد منها حديث عبد اللهِ بن عمرو المتقدم وغيره، فهو بها حسن.