للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوْ يفارقُ المشركينَ ولعمومِ قولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (١) الآيةَ، وذهبَ الأقلُّ إلى أنَّها لا تجبُ الهجرةُ وأنَّ الأحاديثَ والآيةَ منسوخةٌ للحديثِ الآتي وهوَ قولُه:

٧/ ١١٨٦ - وَعَنْ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٢). [صحيح]

(وعنِ ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا هجرةَ بعدَ الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيةٌ. متفقٌ عليهِ). قالُوا: فإنهُ عامٌّ ناسخٌ لوجودِ الهجرةِ الدالِّ عليهِ ما سبقَ، وبأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرْ مَنْ أسلمَ منَ العربِ بالمهاجرةِ إليهِ ولمْ ينكرْ عليهمْ مقامَهم ببلدِهمْ، ولأنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا بعثَ سريةً قالَ لأميرِهمْ: "إذا لقيتَ عدوَّكَ منَ المشركينَ فادْعُهم إلى ثلاثِ خلالٍ فأيتُهُنَّ أجابوكَ فاقبلْ منْهم وكُفَّ عنْهم، ثمَّ ادْعُهُمْ إلى التحولِ عنْ دارِهِم إلى دارِ المهاجرينَ، وأعلمْهُم أنَّهم إنْ فعلُوا ذلكَ أنَّ لهمْ ما للمهاجرينَ وعليهمْ ما على المهاجرينَ، فإنْ أَبَوْا واختارُوا دارَهم فأعلمْهُم أنَّهم يكونونَ كأعرابِ المسلمينَ يجري عليهمْ حكمُ اللهِ تعالَى الذي يجري على المؤمنينَ"، الحديثُ [سيأتي] (٣) بطولِه (٤) فلم يوجبْ عليهمْ الهجرةَ.

والأحاديثُ غيرَ حديثِ ابنِ عباسٍ محمولةٌ على مَنْ لم يأمنْ على دينِه، قالُوا: وفي هذا جَمْعٌ بينَ الأحاديثِ.

وأجابَ مَنْ أوجبَ الهجرةَ بأنَّ حديثَ لا هجرةَ مراد بهِ نفيُها عنْ مكةَ كما يدلُّ لهُ قولُه بعدَ الفتحِ، فإنَّ الهجرةَ كانتْ واجبةً منْ مكةَ قبلَه، وقالَ ابنُ العربيِّ (٥): الهجرةُ هي الخروجُ منْ دارِ الحربِ إلى دارِ الإسلامِ وكانتْ فرضًا في عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واستمرتْ بعدَه لمنْ خافَ على نفسِه، والتي انقطعتْ بالأصالةِ هيَ القصدُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيثُ كانَ.


(١) سورة النساء: الآية ٩٧.
(٢) البخاري رقم (٢٨٢٥)، ومسلم رقم (١٣٥٣). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٢٤٨٠)، والترمذي رقم (١٥٩٠).
(٣) في (أ): "يأتي".
(٤) برقم (١١/ ١١٩٠) من كتابنا هذا.
(٥) ذكره عنه ابن حجر في "فتح الباري (٦/ ٣٩).