للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ غيرِه ضِمْنًا، وبذلكَ قالَ الجمهورُ. والحديثُ يحتملُ أنهُ لا يخرجُ عنْ كونهِ في سبيلِ اللهِ معَ قصدِ التشريكِ؛ لأنهُ قاتلَ لتكونَ كلمةُ اللهِ هيَ العُلْيا ويتأيدُ بقولِه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (١)، فإنَّ ذلكَ لا ينافي فضيلةَ الحجِّ، فكذلكَ في غيرِه، فَعَلَى هذَا العمدةُ [الباعثُ] (٢) على الفعلِ، فإنْ كانَ هوَ إعلاءَ كلمةِ اللهِ لم يضرَّهُ ما انضافَ إليهِ ضمنًا، وبقيَ الكلامُ فيما [لو] (٣) اسْتَوى القصْدانِ فظاهرُ الحديثِ والآيةِ أنهُ لا يضرُّ، إلَّا أنهُ أخرجَ أبو داودَ (٤) والنسائيُّ (٥) منْ حديثِ أبي أمامةَ - رضي الله عنه - بإسنادٍ جيدٍ قالَ: "جاءَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ رجلًا غَزَا يلتمسُ الأجْرَ والذِّكْرَ، ما لَهُ؟ قالَ: لا شيءَ لهُ فأعادَها ثلاثًا، كلُّ ذلكَ يقولُ: لا شيءَ لهُ، ثمَّ قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ اللهَ (تعالى) لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ خالِصًا وابتُغي بهِ وجْهَهُ".

قلتُ: فيكونُ هذا دليلًا علَى أنهُ إذا اسْتَوى الباعثانِ الأجرُ والذكرُ مثلًا بطلَ الأجْرُ، ولعلَّ بُطْلَانَهُ هنا لخصوصيةِ طلبِ الذِّكر، لأنه انقلب عملُه للرياء، والرياءُ مبطلٌ لما يشاركُه بخلافِ طلبِ المغنَمِ فإنهُ لا ينافي الجهادَ، بلْ إذا قصدَ بأخذِ المغنم إغاظةَ المشركينَ والانتفاعَ بهِ على الطاعةِ كانَ لهُ أجرٌ، فإنهُ تعالَى يقولُ: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (٦)، والمرادُ النيلُ المأذونُ فيهِ شَرْعًا، وفي قولِه - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتلَ قتيلًا فلهُ سَلَبُهُ" (٧) قبلَ القتالِ دليلٌ علَى أنهُ لا ينافي [قصدُ المغنمِ] (٨) القتالَ، بلْ ما قالَه إلَّا ليجتهدَ السامعُ في قتالِ المشركينَ.


(١) سورة البقرة: الآية ١٩٨.
(٢) في (أ): "الباعثة".
(٣) في (ب): "إذا".
(٤) لم أعثر عليه في سنن أبي داود، واللهُ أعلم.
(٥) في "السنن" (٦/ ٢٥).
وأورده الشوكاني في "نيل الأوطار" (٧/ ٢٤٣)، وقال: هذا الحديث رواه أحمد والنسائي، وقال: حديث أبي أمامة جوَّد الحافظ إسناده في الفتح" اهـ. وأورده الألباني في الصحيحة رقم (٥٢).
(٦) سورة التوبة: الآية ١٢٠.
(٧) أخرجه أبو داود رقم (٢٧١٨) من حديث أنس، وهو حديث صحيح.
(٨) في (أ): "القصد للمغنم في".