للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حبانَ والحاكمُ) أخرجَه المذكورونَ منْ حديثِ أسلمَ بنِ يزيدَ أبي عمرَانَ قالَ: "كنَّا بالقسطنطينيةِ فخرجَ صفٌّ عظيمٌ منَ الرومِ فحملَ رجلٌ منَ المسلمينَ علَى صفِّ الرومِ حتَّى حصلَ فيهمْ ثمَّ رجعَ مقبلًا فصاحَ النَّاسُ، سبحانَ اللهِ أَلْقَى بيدهِ إلى التهلُكَةِ، فقالَ أبو أيوبَ: أيُّها النَّاسُ إنَّكم تُؤَوِّلُونَ هذهِ الآيةَ على هذا التأويلِ وإنَّما [أنزلت] (١) هذهِ الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ، إنا لما أعزَّ اللهُ [الإسلام] (٢) وكَثُرَ ناصِرُوهُ قلْنا بينَنا سرًا: إنَّ أموالَنا قدْ ضاعتْ فلوْ أنا قمنا فيها وأصلحْنا ما ضاعَ منْها، فأنزلَ اللهُ تعالَى هذهِ الآيةَ، فكانتِ التهلُكةُ الإقامةَ التي أردْنا".

وصحَّ عنِ ابنِ عباسٍ - رضي الله عنه - وغيرِه نحوُ [هذَا في تأويلِ] (٢) الآيةِ. قيلَ: وفيهِ دليلٌ على جوازِ دخولِ الواحدِ في صفِّ القتالِ ولوْ ظنَّ الهلاكَ.

قلتُ: أما ظنُّ الهلاكِ فلا دليلَ فيهِ إذْ لا يعرفُ ما كانَ ظنُّ مَنْ حملَ هنا، وكأنَّ القائلَ يقولُ إنَّ الغالبَ في واحدٍ يُحْمَلُ على صفٍّ كثير أنهُ يظنُّ الهلاكَ.

قالَ المصنفُ - رَحِمَهُ اللهُ - في مسألةِ حَمل الواحدِ على العددِ الكثيرِ منَ العدوِّ. إنهُ صرَّحَ الجمهورُ أنهُ إذا كانَ لفرطِ شجاعتِه وظنِّه أنهُ يرهبُ العدوَّ بذلكَ أوْ يجزئُ المسلمينَ عليهمِ أوُ نحوَ ذلكَ منَ المقاصدِ الصحيحةِ فهوَ حسنٌ، ومَتى كانَ مجرَّدَ تهوُّرٍ فممنوعٌ لا سيَّما [إذا] (٣) ترتَّبَ على ذلكَ وَهْنُ المسلمينَ.

قلتُ: وأخرجَ أبو داودَ (٤) منْ حديثِ عطاءِ بنِ السائبِ - قالَ ابنُ كثيرٍ ولا بأسَ بهِ - عنِ ابنِ مسعودٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبَ ربُّنَا مِنْ رجلٍ غَزَا في سبيلِ اللهِ فانهزمَ أصحابُه فعلمَ ما عليهِ فرجعَ رغبةً فيما عندي [وشفقةً مما عندي] (٥) حتَّى أُهْرِيْقَ دمُه". قالَ ابنُ كثيرٍ: والأحاديثُ والآثارُ في هذا كثيرةٌ تدلُّ


(١) في (ب): "نزلت".
(٢) في (ب): "دينه".
(٣) في (ب): "إنْ".
(٤) في "السنن" رقم (٢٥٣٦). وفي إسناده (عطاء بن السائب) قال فيه أحمد: من سمع منه قديمًا فهو صحيح، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، ووافقه على هذه التفرقة يحيى بن معين أيضًا كما في "المختصر" (٣/ ٣٨٢). قلت: وأخرجه أحمد مطولًا رقم (٣٩٤٩) وهو عنده وعند أبي داود من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، وحماد سمع من عطاء قبل تغيره، فالحديث صحيح - شاكر.
(٥) زيادة من سنن أبي داود.