للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ عبادةَ بنِ الصامتِ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا تغلُّوا فإنَّ الغُلُولَ) بضمِّ الغينِ المعجمةِ وضمِّ اللامِ (نارٌ وعارٌ على أصحابهِ في الدنيا والآخرةِ. رواهُ أحمدُ والنسائيُّ وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ). تقدَّم أنَّ الغُلولَ الخيانةُ في الغنيمة.

قالَ ابنُ قُتَيْبَةَ (١): سُمِّيَ بذلكَ لأنَّ صاحبَه يغلُّه في متاعِهِ أي يُخْفيهِ، وهوَ منَ الكبائرِ بالإجماعِ كما نقلَه النوويُّ (٢)، والعارُ الفضيحةُ، ففي الدُّنيا إذا ظهرَ افتضحَ بهِ صاحبُه، وأما في الآخرةِ فلعلَّ العارَ يفيدُه ما أخرجَه البخاريُّ (٣) منْ حديثِ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: "قامَ فينا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وذكرَ الغلولَ وعظَّم أمرَه فقالَ: لا ألفينَّ أحدَكم يومَ القيامةِ علَى رقبتهِ شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبتِه فرسٌ لهُ حَمْحَمَةٌ يقولُ: يا رسولَ اللهِ أغثْني فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قدْ أبلغْتُكَ - الحديثُ"، وذكرَ فيهِ البعيرَ وغيره.

فإنهُ دلَّ الحديثُ علَى أنهُ يأتي الغالُّ بهذهِ الصفةِ الشنيعةِ يومَ القيامةِ على رؤوسِ الأشهادِ، فلعلَّ هذا هوَ العارُ يوم القيامة، ويحتملُ أنهُ شيءٌ أعظمُ منْ هذَا. ويُؤْخَذُ منْ هذا الحديثِ أنَّ هذا ذَنْبٌ لا يُغْفَرُ بالشفاعةِ لقولِه - صلى الله عليه وسلم - "لا أملكُ لكَ منَ اللهِ شيئًا"، ويحتملُ أنهُ أوردَه في محلِّ التغليظِ والتشديدِ، ويُحْتَمَلُ [أنهُ] (٤) يُغْفَرُ لهُ بعدَ تشهيرهِ في ذلكَ الموقفِ.

والحديثُ الذي سُقْنَاهُ وردَ في خطابِ العاملينَ على الصدقاتِ، فدلَّ على أنَّ الغلولَ عامٌّ لكلِّ ما فيهِ حقٌّ للعبادِ وهوَ مشتركٌ بينَ الغالِّ وغيرِه.

فإنْ قلتَ: فهل يجبُ على الغالِّ ردُّ ما أخذَ.

قلتُ: قالَ ابنُ المنذرِ: إنَّهم أجمعُوا على أنَّ الغالَّ يعيدُ ما غلَّ قبلَ القسمةِ،


= قلت: وأخرجه الترمذي رقم (١٥٦١)، وابن ماجه رقم (٢٨٥٢)، والطبري رقم (١٥٦٥٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٠، ٢١، ٥٧) من طرق، وهو حديث حسن، انظر: "الصحيحة" رقم (٩٨٥).
(١) في "غريب الحديث" (١/ ٤٥).
(٢) في "شرح صحيح مسلم" (١٢/ ٢١٧).
(٣) في صحيحه رقم (٣٠٧٣). قلت: وأخرجه مسلم رقم (٢٤/ ١٨٣١).
(٤) في (أ): "أن".