للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقولُه - صلى الله عليه وسلم - في يومِ حُنَيْنٍ: "مَنْ قَتَلَ قتيلًا فلهُ سلبُه" (١)، بعدَ القتالِ لا ينافي هذا بلْ هوَ مقرِّرٌ للحكمِ السابِقِ، فإنَّ هذا كانَ معلومًا عندَ الصحابةِ منْ قبلِ حُنَيْنٍ ولِذَا قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ جحشٍ: اللهمَّ ارزُقني رجلًا شديدًا - إلى قولِه - أقتلُه وآخذُ سَلَبَهُ كما قدَّمناهُ قريبًا، وأما قولُ أبي حنيفةَ والهادويةِ إنهُ لا يكونُ السلبُ للقاتلِ إلا إذا قالَ الإمامُ قبلَ القتالِ مثلًا: مَنْ قتلَ قتيلًا فلهُ سلبُهُ، وإلَّا كانَ السَّلَبُ منْ جملةِ الغنيمةِ بينَ الغانمينَ فإنهُ قولٌ لا توافقُه الأدلةُ، قالَ الطحاويُّ: ذلكَ موكولٌ إلى رَأي الإمامِ فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - أعطَى سَلَبَ أبي جهلٍ لمعاذِ بن الجموحِ بعدَ قولِه لهُ ولمشاركهِ في قَتْلهِ كِلَاكُما قَتَلَهُ لما أَرَيَاهُ سَيْفَيْهِمَا.

وأُجِيْبَ عنهُ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا أعطاهُ معاذًا؛ لأنهُ الذي أَثَّر في قتلِه لمَّا رأَى عُمْقَ الجنايةِ في سيفهِ، وأما قولُه: كِلَاكُما قتلَه، فإنهُ قالَه تَطْيِيْبًا لنفسِ صاحبِهِ. وأما تخميسُ السَّلَبِ الذي يُعْطَاهُ القاتلُ فعمومُ الأدلةِ منَ الأحاديثِ قاضيةٌ بعدمِ تخميسهِ.

وبهِ قالَ أحمدُ وابنُ المنذرِ وابنُ جريرٍ، وآخرونَ كأنَّهم يخصِّصُونَ عمومَ الآيةِ بالأحاديث، فإنهُ أخرجَ حديثَ عوفِ بن مالكٍ أبو داودَ (٢) وابنُ حِبَّانَ (٣) بزيادةِ: "ولم يخمِّسِ السلبَ"، وكذلكَ أخرجَهُ الطبرانيُّ (٤).

واختلفُوا هل تلزمُ القاتلَ البيِّنَةُ على أنهُ قَتَلَ مَنْ يريدُ أَخذَ سَلَبه؟ فقالَ الليثُ والشافعيُّ وجماعةٌ منَ المالكيةِ إنهُ لا يُقْبَلُ قولُه إلَّا بالبينةِ لورودِ ذلكَ في بعضِ الرواياتِ بلفظِ: "مَنْ قَتَلَ قتيلًا لهُ عليهِ بيِّنةٌ فلهُ سَلَبَهُ" (٥)، وقالَ مالك والأوزاعيُّ:


(١) وهو جزء من حديث أخرجه البخاري رقم (٣١٤٢)، ومسلم رقم (٤١/ ١٧٥١) من حديث أبي قتادة.
(٢) في "السنن" رقم (٢٧٢١).
(٣) في صحيحه رقم (٤٨٤٤).
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور رقم (٢٦٩٨)، والبيهقي (٦/ ٢٦)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (١٠٧٧)، وأحمد (٦/ ٢٦).
وهو حديث صحيح.
(٤) في "المعجم الكبير" (١٨/ ٤٩ رقم … (٨٦).
(٥) تقدم تخريجه من حديث أبي قتادة في التعليقة المتقدمة رقم (٤).