للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعلَّقُوا بأستارِ الكعبةِ فأسلَم منهمْ ستةٌ وقتلَ ثلاثةً منْهم ابنُ خَطَلٍ. وكانَ ابنُ خَطَلٍ قدْ أسلَم فبعثَه النبي - صلى الله عليه وسلم - مصدِّقًا وبعثَ معهُ رجلًا منَ الأنصارِ وكانَ معهُ مولَى يخدمُهُ مسلِمًا فنزلَ منزلًا وأمرَ مولاهُ أنْ يذبحَ لهُ تَيْسًا ويصنعَ لهُ طعامًا، فنامَ فاستيقظَ ولمْ يصنعْ لهُ شيئًا فعدَا عليهِ فقتلَه ثمَّ ارتدَّ مشرِكًا، وكانتْ له قينتانِ [تغنيانِه] (١) بهجاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأمرَ بِقَتْلِهِمَا معهُ فَقُتِلَتْ إحدَاهُما واستُؤْمِنَ للأُخْرَى فأمَّنَها، قالَ الخطابيُّ (٢): قتلَه - صلى الله عليه وسلم - بحقِّ ما جَنَاهُ في الإسلامِ، فدلَّ على أن الحرمَ لا يعصمُ مِنْ إقامةِ واجبٍ ولا يؤخِّرُهُ عنْ وقْتِهِ، انتَهى.

وقدِ اختلفَ الناسُ في هذا، فذهبَ الشافعيُّ ومالكٌ إلى أنهُ يستوفي الحدودَ والقصاصَ بكلِّ مكانٍ وزمانٍ لعمومِ الأدلةِ ولهذِه القصةِ، وذهبَ الجمهورُ منَ السلفِ والخلَفِ وهوَ قولُ الهادويةِ إلى أنهُ لا يستوفى [في مكة] (٣) حدٌّ لقولِه تعالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (٤) ولقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُسْفَكُ بها دمٌ" (٥)، [وأجيب] (٦) عما احتجَّ بهِ الأولونَ بأنهُ لا عمومَ للأدلةِ في الزمانِ والمكانِ بلْ هيَ مطلقاتٌ مقيدةٌ بما ذكرْنَا منَ الحديثِ وهوَ متأخّرٌ، فإنهُ في يومِ الفتحِ بعدَ شرعيةِ الحدودِ، وأما قتلُ ابنُ خَطَلٍ ومَنْ ذكرَ معهُ فإنهُ كانَ في الساعةِ التي أُحِلَّتْ فيها مكةُ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم واستمرتْ منْ صبيحةِ يومِ الفتحِ إلى العصرِ، وقدْ قُتِلَ ابنُ خَطَلٍ وَقْتَ الضّحَى بينَ زمزمٍ والمقامِ.

وهذا الكلامُ فيمنِ ارتكبَ في غيرِ الحرمِ ثمَّ التجأَ إليهِ، وأما إذا ارتكبَ إنسانٌ في الحرم ما يوجبُ الحدَّ فاختلفَ القائلونَ بأنهُ لا يُقَامُ فيهِ حدٌّ، فذهبَ بعضُ الهادويةِ أَنهُ يُخْرَجُ منَ الحرمِ ولا يُقَامُ عليهِ الحدُّ وهوَ فيهِ، وخالفَ ابنُ عباسٍ فقالَ: مَنْ سرقَ أوْ قَتَلَ في الحرمِ أُقِيمَ عليهِ الحد في الحرمِ. رواهُ أحمدُ (٧) عنْ طاوسٍ عن ابن عباسٍ وذكرَ الأثرمُ عن ابن عباسٍ أيضًا: "مَنْ أحدثَ حَدَثًا


(١) في (أ): "يغنيان".
(٢) في "معالم السنن" (٣/ ١٣٥ - هامش السنن).
(٣) في (ب): "فيها".
(٤) وهو جزء من الحديث السابق وقد تقدم تخريجه.
(٥) في (ب): "وأجابوا".
(٦) سورة آل عمران: الآية ٩٧.
(٧) لم أعثر عليه؟!.