للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذكرَ ابنُ إسحاقَ في "المغازي" أن ذلكَ كانَ بعدَ [وقعة] (١) أُحُدٍ وبئرِ معونةَ (٢) "وخرجَ النبيَّ يستعينُهم في ديةِ رجلينِ قتلَهما عمرُو بنُ أميةَ الضميريُّ منْ بني عامر قد أمَّنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يشعر عمرو بذلك، فجلسَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب جدارٍ لهم فتمالئوا على إلقاء صخرة عليه من فوق ذلك الجدارِ وقامَ بذلكَ عمرُو بنُ جِحَاشِ بن كعبٍ، فأتاهُ الخبرُ منَ السماءِ فقامَ مظهرًا أنهُ يقضي حاجةً وقالَ لأصحابِه: لا تبرحُوا، ورجعَ مسرِعًا إلى المدينةِ، فاستبطأَهُ أصحابُه فأُخبرُوا أنهُ رجعَ إلى المدينةِ فلحقُوا بهِ فأمرَ بحربِهم والمسيرِ إليهم، فتحصَّنُوا فأمرَ بقطعِ النخلِ والتحريقِ وحاصرَهم ستَ ليالٍ، وكانَ ناسٌ منَ المنافقينَ (٣) بعثُوا إليهم أنِ اثْبُتُوا وتمنَّعُوا فإنْ قُوتِلْتُم قاتلْنا معَكم، فتربَّصُوا فقذفَ اللَّهُ الرعبَ في قلوبِهم فلمْ ينصُروهُم، فسألُوا أنْ يجلُوا عن أَرْضِهم على أنَّ لهمْ ما حملتِ الإبلُ، فصُولِحُوا على ذلكَ إلا الحَلَقَة - بفتحِ الحاءِ المهملةِ وفتحِ اللامِ فقافٍ - وهيَ السلاحُ، فخرجُوا إلى أذرعاتٍ (٤) وأريحاءٍ منَ الشامِ وآخرونَ إلى الحيرةِ، ولحقَ آلُ أبي الحقيقِ وآلُ حييِّ بن أخطبَ بخيبرَ وكانوا أولَ مَنْ أُجْلِيَ منَ اليهودِ كما قالَ تعالَى: {لِأَوَّلِ الحَشْرِ} (٥)، والحشرُ الثاني مِنْ خيبرَ في أيامِ عمرَ - رضي الله عنه -.

[وقولُه] (٦): {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} الفيءُ ما أُخِذَ بغيرِ قتالٍ، قالَ في "نهايةِ المجتهدِ" (٧): إنهُ لا خُمُسَ فيهِ عندَ جمهورِ العلماءِ. وإنما لم يوجَفْ عليها بخيلٍ ولا ركابٍ لأنَّ بني النضيرِ كانتْ على ميلينِ منَ المدينةِ فَمَشَوْا إليها مشاةً غيرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنهُ ركبَ جملًا أو حمارًا ولم تنلْ أصحابَهُ - صلى الله عليه وسلم - مشقةٌ في ذلكَ. وقولُه: "كانَ ينفقُ علَى أَهْلِهِ أي مما استبقاهُ لنفسهِ، والمرادُ أنهُ يعزلُ لهمْ نفقةَ سنةٍ ولكنَّه كانَ ينفقُه قبلَ انقضاءِ السنةِ في وجوهِ الخيرِ ولا يتم عليهِ السنةُ،


(١) في (ب): "قضية".
(٢) وهو الأرجح، انظر: "سيرة ابن هشام" (٣/ ٢٦٧ - ٢٦٨).
(٣) منهم: عبد اللَّهِ بن أبي بن سلول، ووديعة، ومالك بن أبي قوْقل، وسُوَيد، وداعس.
(٤) أذرعات: بلدِ في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان. انظر: "معجم البلدان" (١/ ١٣٠).
• أريحاء: بلد من الشام.
(٥) سورة الحشر: الآية ٢.
(٦) في (أ): "وقولهم".
(٧) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد (٢/ ٣٧٦) بتحقيقنا.