للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ جندبِ بن سفيانَ) (١) هوَ أبو عبدِ اللهِ جندبُ بنُ سفيانَ البجلي العلقي الأحمسيِّ، كانَ بالكوفةِ ثمَّ انتقلَ إلى البصرةِ، ثمَّ خرجَ منْها، وماتَ في فتنةِ ابن الزبيرِ بعدَ أربعِ سنينَ (قالَ: شهدت الأضْحَى معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضَى صلاتَهُ بالناسِ نظرَ إلى غنمٍ قدْ ذبحتْ فقالَ: مَنْ ذبحَ قبلَ الصلاةِ فليذبحْ شاةً مكانَها، ومَنْ لم يكنْ ذبحَ فليذبحْ على اسمِ اللهِ. متفقٌ عليه).

فيهِ دليلٌ على أن وقتَ التضحيةِ منْ بعدِ صلاةِ العيدِ فلا تجزئُ قبلَه، والمرادُ صلاةُ المصلِّي نفسه، ويحتملُ أنْ يرادَ صلاةُ الإمامِ، وأنَّ اللامَ للعهدِ في قولِه الصلاةِ يرادُ بهِ المذكورةَ قبلَها وهي صلاتُه - صلى الله عليه وسلم -، وإليهِ ذهبَ مالكٌ فقالَ: لا يجوزُ قبلَ صلاةِ الإمامِ وخطبتِه وذبحِهِ.

ودليلُ اعتبارِ ذبحِ الإمامِ ما رواهُ الطحاويُّ (٢) منْ حديثِ جابرٍ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - "صلَّى يومَ النحرِ بالمدينةِ فتقدَّمَ رجالٌ [ونحروا] (٣) وظنُّوا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد نحرَ، فأمرهُم أن يعيدُوا".

وأجيبَ بأنَّ المرادَ زجُرُهم عن التعجيلِ الذي يؤدي إلى فعلِها قبلَ الوقتِ، ولذَا لم يأتِ في الأحاديثِ إلا تقييدُها بالصلاة. وقالَ أحمدُ مثلَ قولِ مالكٍ ولم يشترطْ ذبحَه، ونحوُهُ عن الحسنِ والأوزاعيِّ وإسحقَ بن راهويةْ، وقالَ الشافعيُّ وداودُ: وقتُها إذا طلعتِ الشمسُ ومضَى قدْرُ صلاةِ العيدِ وخطبتينِ وإنْ لم يصلِّ الإمامُ ولا المضحِّي، قالَ القرطبيُّ: ظواهرُ الحديثِ تدلُّ على تعليقِ الذبحِ بالصلاةِ، لكنْ لما رأَى الشافعيُّ أن مَنْ لا صلاةَ عليهِ مخاطبٌ بالتضحيةِ حملَ الصلاةَ على وقتِها.

وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: هذا اللفظُ أظهرُ في اعتبارِ الصلاةِ، وهوَ قولُه في روايةٍ: (مَنْ ذبحَ قبلَ أنْ يصلِّيَ فليذبحْ مكانَها أُخْرَى) قالَ: لكنْ إنْ أجريْنَاهُ على ظاهرهِ اقتضَى أنَّها لا تجزئُ [الأضحيةُ] (٤) في حقِّ مَنْ لمْ يصلِّ العيدَ، فإنْ ذهبَ


(١) انظر ترجمته في: "الوافي بالوفيات" (١١/ ٩٣١)، و "سير أعلام النبلاء" (٣/ ١٧٤)، "الإصابة" رقم (١٢٢٦)، و "الاستيعاب" رقم (٣٤٤)، و "أسد الغابة" رقم (٨٠٤).
(٢) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٧١).
(٣) في (ب): "فنحروا".
(٤) في (أ): "التضحية".