للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وظاهرُ السياقِ أن قولَهُ (فمنِ استطاعَ) إلى آخرِه: من الحديث، وهوَ يدلُّ على عدمِ الوجوبِ؛ إذْ هوَ في قوةِ: من شاءَ منكمْ، فلوْ كانَ واجبًا ما قيَّدَهُ بها، إذِ الاستطاعةُ لذلكَ [متحقِّقةٌ] (١) قطعًا. وقالَ نُعَيْمٌ (٢) أحدُ رواتِهِ: لا أدري قولَهُ: (فمنِ استطاعَ) إلى آخرهِ، منْ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أوْ منْ قولِ أبي هريرةَ؟ وفي (الفتح) (٣): (لمْ أرَ هذهِ الجملةَ في روايةِ أحدٍ ممنْ رَوَى هذا الحديثَ منَ الصحابةِ، وهمْ عَشرَةٌ، ولا ممنْ رواهُ عنْ أبي هريرةَ غيرَ روايةِ نُعَيْمٍ هذهِ).

والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ إطالةِ الغرةِ والتحجيلِ. واختلفَ العلماءُ في القدْرِ المستحبِّ من ذلكَ فقيلَ: في اليدينِ إلى المنكبِ، وفي الرجلينِ إلى الركبةِ. وقد ثبتَ هذا عن أبي هريرةَ روايةً ورأيًا، وثبتَ منْ فعلِ ابن عمرَ [أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ (٤) وأبو عبيدٍ بإسنادٍ حسن] (٥).

وقيلَ: إلى نصفِ العضُدِ والساقِ. والغرَّةُ في الوجهِ أن يغسلَ إلى [صفْحتي] (٦) العُنُقِ.

والقولُ بعدمِ مشروعيتِهِمَا، وتأويلُ حديثِ أبي هريرةَ بأنَّ المرادَ بهِ المداومةُ على الوضوءِ، خلاف الظاهر [وَرُدّ بأنَّ الراوي أعرفُ بما رَوَى] (٧)، كيفَ وقدْ رفعَ معناهُ ولا وجهَ لنفيهِ (٨).

وقدْ استدلَّ على أن الوضوءَ منْ خصائصِ هذه الأمةِ بهذا الحديثِ،


(١) في النسخة (أ): (محققة).
(٢) هو نُعَيْم المُجْمِر بن عبد الله المدني، وُصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخِّران مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة، ووصف ابنه نُعيم بذلك مجاز، وفيه نظر، فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيمًا كان يباشر ذلك.
[(فتح الباري) (١/ ٢٣٥)، و (الجمع بين رجال الصحيحين) (٢/ ٥٣٣) رقم (٢٠٧٦)].
(٣) (١/ ٢٣٦).
(٤) في (المصنف) (١/ ٥٥).
(٥) زيادة من النسخة (أ).
(٦) في النسخة (أ): (صفحة).
(٧) في النسخة (أ): (على الوضوء وروي بأن الراوي أعرف بما روى).
(٨) قلت: اختصر كلام المصنف في (الفتح) (١/ ٢٣٦ - ٢٣٧) وعبارته هي: (وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرَّح برفعه إلى الشارع - صلى الله عليه وسلم -) اهـ.