للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ الراغبُ (١): "تقليبُ اللهِ القلوبَ والبصائرَ صرفُها عنْ رأيٍ إلى رأيٍ. والتَّقَلُّبُ التصرفُ، قالَ اللهُ تعالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} (٢) قالَ ابنُ العربيِّ (٣): القلبُ جزءٌ منَ البدنِ [خلقَهُ] (٤) اللهُ وجعله للإنسانِ محلَّ العلمِ والكلامِ وغيرِ ذلكَ منَ الصفاتِ الباطنةِ، وجعلَ ظاهرَ البدنِ محلَّ التصرفاتِ الفعليةِ والقوليةِ، ووكَّلَ بهِ ملَكًا يأمرُ بالخيرِ، وشيطانًا يأمرُ بالشرِّ. والعقلُ بنوره يهديهِ، والهوَى بظلمتِه يُغْوِيهِ، والقضاءُ مسيطرٌ على الكلِّ. والقلبُ يتقلَّبُ بينَ الخواطرِ الحسنةِ والسيئةِ، [واللمَّةُ منَ الملكِ تارةً ومنَ الشيطانِ أُخْرى، والمحفوظُ] (٥) [مَنْ حفظَهُ اللهُ] (٦) اهـ.

قلتُ: وقولُه: والكلام بناءً منهُ على إثباتِ الكلام النفسيِّ، وأنَّ محلَّه القلبُ. وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: (لا) ردٌّ ونفيٌ للسابقِ منَ الكلامِ. والحديثُ دليل على جوازِ الإقسام بصفةٍ منْ صفاتِ اللهِ، وإنْ لم تكنْ منْ صفاتِ الذاتِ. وإلى هذا ذهبتِ الهادوية حيثُ قالُوا: الحلفُ باللَّهِ أو بصفةٍ لذاتِه، أو لفعلِه لا يكونُ على ضدِّها، ويريدونَ بصفةِ الذاتِ كالعلمِ والقدرةِ، ولكنَّهم قالُوا: لا بدَّ منْ إضافَتِها إلى اللهِ تعالَى، كعلمِ اللهِ، ويريدونَ بصفةِ الفعلِ العهدَ والأمانة إذا أُضِيْفَتْ إلى اللهِ (تعالَى) إلَّا أنهُ قدْ وردَ حديثٌ في النهي عن الحلفِ بالأمانةِ أخرجَهُ أبو داودَ (٧) منْ حديثِ بريدةَ بلفظِ: "منْ حلفَ بالأمانةِ فليسَ منَّا"؛ وذلكَ لأنَّ الأمانةَ ليستْ منْ صفاتِه تعالَى بلْ من فروضهِ على العبادِ، وقولُهم: لا يكونُ على ضدِّها احترازٌ عن الغضبِ والرِّضَا والمشيئةِ فلا [تنعقدُ] (٨) بها اليمينُ. وذهبَ ابنُ حزم (٩) - وهوَ ظاهرُ كلامِ المالكيةِ والحنفيةِ - أن جميعَ الأسماءِ الواردةِ في القرآنِ والسنةِ


(١) في "المفردات في غريب القرآن" (ص ٤١١).
(٢) سورة النحل: الآية ٤٦.
(٣) في "عارضة الأحوذي" (٧/ ٢٢).
(٤) في (أ): "خلق".
(٥) زيادة من (ب).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) في "السنن" (٤/ ٥٧١ رقم ٣٢٥٣)، وهو حديث صحيح.
وأورده الألباني في الصحيحه رقم (٩٤).
(٨) في (أ): "ينعقد".
(٩) في "المحلَّى" (٨/ ٣٠).