للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللسانِ بغيرِ عقدِ قلبٍ إنَّما يقع بحسبِ ما تعوَّدهُ المتكلمُ، سواءً كانتْ بإثباتٍ أوْ نفي نحوَ: واللَّهِ، وبلَى واللَّهِ، ولَا واللَّهِ، فهذهِ هي اللغوُ الذي قالَ اللهُ تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (١) كما يأتي دليلُه، وإنْ كانتْ عنْ عقدِ قلبٍ فينظرُ إلى حالِ المحلوفِ عليهِ، فينقسمُ بحسبِه إلى أقسامٍ خمسةٍ: إمَّا أنْ يكونَ معلومَ الصدقِ، أوْ معلومَ الكذبِ، أوْ مظنونَ الصدقِ، أو مظنونَ الكذبِ، أو مشكوكًا فيهِ:

فالأولُ: يمينٌ برَّةٌ صادِقةٌ وهيَ التي وقعتْ في كلامِ اللهِ تعالَى نحوَ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)} (٢)، ووقعتْ في كلامِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ ابنُ القيِّمِ (٣): إنهُ - صلى الله عليه وسلم - حلفَ في أكثرَ منْ ثمانينَ موضِعًا، وهذهِ هيَ المرادةُ في حديثِ: "إنَّ اللَّهَ تعالَى يحبُّ أنْ يُحْلَفَ بهِ" (٤)، وذلكَ لما يتضمنُ منْ تعظيمِ اللهِ تعالَى.

والثاني: وهوَ معلومُ الكذبِ اليمينُ الغموسُ، ويُقَالُ لها الزورُ والفاجرةُ، وسُمِّيَتْ في الأحاديثِ: يمينَ صبرٍ ويمينًا مصبورةً، قالَ في "النهايةِ" (٥): سمِّيتْ غموسًا لأنَّها تغمسُ صاحبَها في النارِ، فعلَى هذا هيَ فعولٌ بمعنَى فاعلٍ. وقدْ فسَّرها في الحديثِ بالتي يُقْتَطَعُ بها مالُ المرءِ المسلم، فظاهرُه أنَّها لا تكونُ غموسًا إلا إذا اقتُطِعَ بها مالُ امرئٍ مسلمٍ، [لا أن] (٦) كلَّ محلوفٍ عليهِ كَذِبًا يكونُ غموسًا، ولكنَّها تُسَمَّى فاجرةُ.

الثالثُ: ما ظُنَّ صدقُه وهوَ قسمانِ:

الأولُ: ما انكشفَ فيهِ الإصابةُ، فهذَا ألحقَهُ البعضُ بما عُلِمَ؛ إذْ [بالانكشافِ] (٧) صارَ مثلَه.

والثاني: ما ظُنَّ صدقُه وانكشفَ خلافُه، وقدْ قيلَ: لا يجوزُ الحلفُ في هذينِ القسمينِ، لأنَّ وضعَ الحلفِ لقطعِ الاحتمالِ، فكأنَّ الحالِفَ يقولُ: أنا أعلمُ مضمونَ الخبرِ، وهذا كذبٌ فإنهُ إنما حلفَ على ظنِّه.


(١) سورة البقرة: الآية ٢٢٥، والمائدة: الآية ٨٩.
(٢) سورة الذاريات: الآية ٢٣.
(٣) في "زاد المعاد" (١/ ٤١) و (٢/ ١٢٧، ١٢٨) ط: البابي الحلبي بمصر.
(٤) فلينظر من أخرجه؟!
(٥) (٣/ ٣٨٦).
(٦) في (أ): "لأن".
(٧) في (أ): "الانكشاف".