للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الفكرِ ومشغلةُ] (١) القلبِ عن استيفاءِ ما يجبُ منَ النظرِ، وحصولُ هذا قدْ يفضي إلى الخطأِ عن الصوابِ، ولكنهُ غيرُ مطَّرِدٍ معَ كلِّ غضبٍ، ومعَ كلِّ إنسانٍ، فإنْ أفَضَى الغضبُ إلى عدم تمييزِ الحق منَ الباطلِ فَلَا كلامَ في تحريمهِ، وإنْ لم يفضِ إلى هذا الحدِّ فأقلُّ أحوالِهِ الكراهةُ، وظاهرُ الحديثِ أنهُ لا فرقَ بينَ مراتبِ الغضبِ، ولا بينَ أسبابهِ. وخصَّهُ البغويُّ (٢) وإمامُ الحرمينِ (٣) بما إذا كان الغضبُ لغيرِ اللَّهِ تعالى، وعللَّ بأنَّ الغضبَ للَّهِ يؤمَنُ معَهُ منَ التعدِّي بخلافِ الغضبِ للنفسِ، واستبعدَه جماعةٌ لمخالفتِه لظاهرِ الحديثِ، والمعنَى الذي لأجلِه نُهِيَ عن الحكمِ معَهُ، ثمَّ لا يخْفَى أن الظاهرَ في النَّهْي التحريمُ، وأنَّ جَعْلَ العلةِ المستنبطةِ صارفةً إلى الكراهةِ بعيدٌ. وأما حكمهُ - صلى الله عليه وسلم - (٤) معَ غضبِه في قصةِ الزبيرِ، فلمَا عُلِمَ منْ أن عصمتَه مانعةٌ عنْ إخراجِ الغضبِ لهُ عن الحقِّ، ثمَّ الظاهرُ عدمُ نفوذِ الحكمِ معَ الغضبِ؛ إذِ النهْيُ يقتضي الفسادَ. والتفرقة بينَ النهي للذاتِ والنهي للوصفِ كما يقولُه الجمهورُ غيرُ واضحٍ كما قررَ في غيرِ هذا المحلِّ. وقدْ أُلْحِقَ بالغضبِ الجوعُ والعطش المفرطينِ لما أخرجه الدارقطنيُّ (٥) والبيهقيُّ (٦) بسندٍ تفردَ بهِ القاسمُ العمريُّ وهوَ ضعيفٌ عنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يقضي القاضي إلَّا وهوَ شبعانٌ ريَّانُ"، وكذلك أُلْحِقَ بهِ كلُّ ما يشغلُ القلبَ، ويشوشُ الفكرَ منْ غلبةِ النعاسِ، أو الهمِّ أو المرضِ أو نحوهما.


(١) في (أ): "الخاطر وشغل".
(٢) ذكره ابن حجر في "الفتح" (١٣/ ١٣٨).
(٣) ذكره ابن حجر في "الفتح" (١٣/ ١٣٨).
(٤) يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٢٣٥٩، ٢٣٦٠)، ومسلم رقم (٢٣٥٧)، وأبو داود رقم (٣٦٣٧)، والترمذي رقم (١٣٦٣)، والنسائي (٥٤٠٩)، وابن ماجه رقم (٢٤٨٠)، والبيهقي (١٠/ ١٠٤ و ١٠٥) من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه: "أنه اختصم هو وأنصاري فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى أخيك، فغضب الأنصاري ثم قال: يا رسول الله أنْ كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اسقِ يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر".
(٥) في "السنن" (٤/ ٢٠٦ رقم ١٤) وفيه القاسم العمري وهو متهم بالوضع كذا في التلخيص (٤/ ١٨٩ رقم ٢٠٩٠).
(٦) في "السنن الكبرى" (١٠/ ١٠٥، ١٠٦) والخلاصة: أنّ الحديث ضعيف.