للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ زيدِ بن خالدٍ الجهنيِّ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ألا أخبرُكم بخيرِ الشهداءِ؟ الذي يأتي بالشهادةِ قبلَ أنْ يُسْألها. رواه مسلمٌ). دلَّ [الحديث] (١) على أن خيرَ الشهداءِ مَنْ يأتي بشهادتِه لمن هيَ لهُ قبلَ أنْ [يسأِلَه] (٢)، إلَّا أنهُ يعارضُه الحديثُ الثاني (٣)، وهوَ حديثُ عمرانَ، وفيه: "ثمَّ يكونُ قومٌ يشهدونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ" في سياقِ الذمِّ لهمْ. ولما تعارضَا اختلفَ العلماءُ في الجمعِ بينَهما على ثلاثةِ أوجهٍ:

الأوَّلُ: أن المرادَ بحديثِ زيدٍ إذا كانَ عندَ الشاهدِ شهادةٌ بحقِّ لا يعلمُ بها صاحبُ الحقِّ فيأتي إليه فيخبرُه بها، أو يموتُ صاحبُها فيخلفُ ورثةً، فيأتي إليهم فيخبرُهم بأنَّ عندَه لهمْ شهادةً، وهذا أحسنُ الأجوبةِ وهوَ جوابُ يحيى بن سعيدٍ شيخِ مالكٍ.

الثاني: أن المرادَ بها شهادةُ الحسبةِ وهيَ ما لا تتعلقُ بحقوقِ الآدميينَ المختصةِ بهم محضًا، ويدخلُ في الحسبةِ ما يتعلقُ بحقِّ اللهِ (تعالى)، أوْ ما فيهِ شائبةٌ للهِ تعالى، كالصلاةِ والوقْفِ، والوصيةِ العامةِ، ونحوها. وحديثُ عمرانَ المرادُ بهِ الشهادةُ في حقوقِ الآدميينَ المحضةِ.

الثالثُ: أن المرادَ بقولِ أنْ يأتيَ بالشهادةِ قبلَ أنْ يُسْألها المبالغةُ في الإجابةِ، فيكونُ لقوةِ استعدادِه كالذي أَتَى بها قبلَ أنْ يسألَها كما يُقالُ في حقِّ الجوادِ إنهُ ليعطي قبلَ الطلب، وهذهِ الأجوبةُ مبنيةٌ على أن الشهادةَ [لا تُؤَدَّى] (٤) قبلَ أن يطلبَها صاحبُ الحَقِّ. ومنْهم مَنْ أجازَ ذلكَ عملًا بروايةِ زيدٍ، وتأولَ حديثَ عمرانَ بأحدِ تأويلاتٍ:

الأولُ: أنهُ محمولٌ على شهادةِ الزورِ أي يؤدونَ شهادة لم يسبقْ لهم بها علمٌ، حكاهُ الترمذيُّ عنْ بعض أهل العلمِ.

الثاني: أن المرادَ إتيانُه بالشهادةِ بلفظِ الحلفِ نحوَ: أشهدُ باللهِ ما كانَ إلَّا كذا، [وهذا] (٥) جوابُ (٦) الطحاويِّ.


(١) زيادة من (أ).
(٢) في (أ): "سال".
(٣) سيأتي تخريجه رقم (٢/ ١٣١٩) من كتابنا هذا.
(٤) في (أ): "لا ترد".
(٥) في (أ): "وهو".
(٦) في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٥٢).