للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقولهُ: "الخائنُ"، قالَ أبو عُبيدة (١): لا نراه خصّ به الخيانةَ في أماناتِ النّاس دون ما افترض اللهُ علىَ عبادهِ، وأْتَمَنَهُمْ عليهِ، فإنهُ قدْ سمَّى ذلك أمانةً قالَ اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} (٢)، فمنْ ضيَّعَ شيئًا مما أمرَ اللهُ تعالَى بهِ، أو ركب ما نهَى عنهُ [فلا] (٣) ينبغي أنْ يكونَ عدْلًا فإنهُ إذا كانَ خائِنًا فليسَ لهُ تقوى تردُّه عن ارتكاب محظوراتِ الدينِ التي منها الكذبُ، فلا يحصلُ الظنُّ بخبرهِ، ولأنهُ مظنةُ تهمةِ أوَ مسلوبُ الأهليةِ، وأما ذو الغَمَرِ فالمرادُ بهِ ما ذكرنَاه منَ الحقدِ والشحناءِ، والمرادُ بأخيهِ المسلمِ المشهودُ عليهِ، والكافرُ مثلُه لا يجوزُ أنْ يشهدَ ذو حقدٍ عليهِ إذا كانت العداوةُ لسببٍ غيرِ الدينِ، فإنَّ ذا الحقدِ مظنةُ عدمِ صدقِ خبرهِ لمحبتهِ إنزالَ الضررِ بمنْ [يحقدُ] (٤) عليهِ، وأما المسلمُ إذا لم يكنْ ذا حقدِ على الكافرِ بسببِ غيرِ الدينِ فإنَّها تُقْبَلُ شهادتُه عليهِ، وإنْ كانَ بينَهما عداوةٌ في الدينِ، فإنَّ عداوةَ الدينِ لا تقتضي أنْ يشهدَ عليهِ زورًا، فإنَّ الدينَ لا يسوِّغُ ذلكَ. وإنما خَرَجَ الحديثُ على الأغلبِ. والقانعُ هوَ الخادمُ لأهلِ البيتِ، والمنقطعُ إليهم للخدمةِ وقضاءِ الحوائج، [وموالاتِهم عندَ الحاجةِ] (٥). وفي تمامِ الحديثِ: وأجازَها، أي: شهادةَ القانعِ لغيرِهمْ أي لغيرِ مَنْ هَو تابعٌ لهم، وإنما مُنِعَ منْ شهادتهِ لمنْ هوَ تابعٌ لهمْ لأنهُ مظنة تهمةٍ، فيجبُ دفعُ الضرِّ عنْهم، وجلبُ الخيرِ إليهم فمنعَ منَ الشهادةِ. ومَنْعُ هؤلاءِ منَ الشهادةِ دليلٌ علَى اعتبار العدالةِ في الشاهدِ عليهِ، دلَّ قولُه تعالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٦)، وقدْ رسمُوا العدالةَ بأنَّها محافظةٌ دينيةٌ تحملُ على ملازمةِ التقْوى والمروءةِ ليسَ معَها بِدْعَةٌ. وقدْ نازعنْاهُم في هذا الرسمِ (٧) في عدةِ منَ المباحث [كرسالتنا] (٨) المسمَّاة: "المسائلِ المهمةِ فيما تعمُّ بهِ البلْوى حكامَ الأمةِ" (٩)، وحقَّقْنا الحقَّ في العدالةِ في رسالةِ "ثمراتِ النظرِ، في علمِ الأثرِ" (١٠).


(١) عزاه إليه ابن منظور في "لسان العرب" (٤/ ٢٥٤) مادة: خون.
(٢) سورة الأنفال: الآية ٢٧.
(٣) في (ب): "فليس".
(٤) في (أ): "حقد".
(٥) زيادة من (ب).
(٦) سورة الطلاق: الآية ٢.
(٧) في (أ): "الحد".
(٨) في (ب): "كرسالة".
(٩) مخطوط رقم (١١٨٢) مؤلفات الزيدية (٣/ ١٠).
(١٠) وهي حاشية على "نخبة الفكر" لابن حجر العسقلاني، وبحوزتي مخطوط لها.