للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ عمرانَ بن حصينٍ - رضي الله عنه - أن رجلًا أعتقَ ستةَ مماليكَ عندَ موتهِ لم يكنْ لهُ مالٌ غيرَهم، فدعا بهمْ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فجزَّأَهم أثلاثًا، ثمَّ أقرعَ بينَهم، فأعتقَ اثنينِ، وأرقَّ أربعةً، وقالَ له قولًا شديدًا)، وهوَ ما رواهُ النسائيُّ (١)، وأبو داودَ (٢) أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لوْ شهدتَه قبلَ أنْ يدفَنَ لم يدفنْ في مقابرِ المسلمينَ" (رواهُ مسلمٌ).

دلَّ الحديثُ على أن حكمَ التبرعِ في المرضِ حكمُ الوصيةِ، ينفذُ منَ الثلثِ، وإليهِ ذهبَ مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ. وإنَّما اختلفُوا هل تعتبرُ القيمةُ أوِ العددُ منْ غيرِ تقويمٍ، فقالَ مالكٌ: يعتبرُ التقويمُ، فإذا كانُوا ستَّةَ أعْبُدٍ أعتقَ الثلثَ بالقيمةِ، سواءً كانَ الحاصلُ منْ ذلكَ اثنينِ منْهم أوْ أقلَّ أوْ أكثرَ. وذهبَ البعضُ إلى أن المعتبرَ العددُ منْ غيرِ تقويمٍ فيعتقُ اثنانِ من مسألةِ الستةِ الأعبدِ، ويكون تعين المعتق بالقرعة على هذين القولين. وخالفتِ الهادويةُ والحنفيةُ وذهبُوا إلى أنهُ يعتقُ منْ كلِّ عبدٍ ثلثَه، ويسعَى كلُّ واحدٍ في ثلثي قيمتهِ للورثةِ، قالُوا: وهذَا الحديثُ [أحاديٌّ] (٣) خالفَ الأصولَ، وذلكَ لأنَّ السيدَ قدْ أوجبَ لكلّ واحدٍ منْهمُ العتقَ، فلو كانَ لهُ مالٌ لنفذَ العتقُ في الجميع [بِالإِجماعِ] (٤). وإذا لم يكنْ لهُ مالٌ وجبَ أنْ ينفذَ لكلّ واحدٍ بقدرِ الثلثِ الجائزِ تصرُّف السيدِ فيهِ، وَرُدَّ بأنَّ الحديثَ الأحاديَّ منَ الأصولِ فكيفَ يُقَالُ إنهُ خالفَ الأصولَ، ولو سلمَ فمنِ الأصولِ أنهُ لا يدخلُ ضرَرًا على الغيرِ، وقدْ أدخلتُم الضررَ على الورثةِ وعلى العبيدِ المعتقينَ، وإذا جمعَ العتقُ في شخصينِ كما في مسألةِ الحديثِ حصلَ الوفاءُ بحقِّ العبدِ وحق الواردِ، ونظيرُ مسألةِ العبدِ لوْ أوصَى بجميعِ التركةِ فإنهُ يقفُ ما زادَ على الثلثِ على إجازةِ الورثةِ اتفاقًا، ثمَّ إذا أريدَ القسمةَ تعيَّنتِ الأنصباء بالقرعةِ اتفاقًا.


= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٣٩٥٨)، والترمذي رقم (١٣٦٤)، والنسائي (٤/ ٦٤ رقم ١٩٥٨)، وابن ماجه رقم (٢٣٤٥)، والطيالسي في "منحة المعبود" (١/ ٢٨٢ رقم ١٤٣٤)، البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٨٥).
(١) في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (٨/ ٢٠٠).
(٢) في "السنن" رقم (٣٩٦٠) بإسناد صحيح.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) زيادة من (ب).