للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقالَ لي رجلٌ: ارفعْ ثوبَكَ فإنهُ أبقَى وأنقَى، فنظرتُ فإذا هوَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: إنَّما هيَ بردةٌ ملحاءُ، فقاكَ: ما لكَ فيَّ أسوةٌ، فنظرتُ فإذا إزارهُ إلى نصفِ ساقَيْهِ". وأما ما هوَ دونَ ذلكَ فإنهُ لا حرجَ على فاعلهِ إلى الكعبينِ، وما [دونَ] (١) الكعبينِ فهوَ حرامٌ إنْ كانَ للخيلاءِ، وإنْ كانَ لغيرِها فقالَ النوويُّ وغيرهُ: إنهُ مكروهُ. وقد يتجهُ أنْ يقالَ إنْ كانَ الثوبُ على قدرِ لابسهِ لكنَّه يسدلُه فانْ كانَ لا عنْ قصدٍ كالذي وقعَ لأبي بكرٍ - رضي الله عنه - فهوَ غيرُ داخلٍ في الوعيدِ، وإنْ كانَ الثوبُ زائدًا على قَدْرِ لابسِه فهوَ ممنوعٌ منْ جهةِ الإسرافِ، محرَّم لأجلِه، ولأجلِ التشبهِ بالنساءِ، ولأجلِ أنهُ لا يأمنُ أنْ تعلق بهِ النجاسةُ. وقالَ ابنُ العربيِّ (٢): لا يجوزُ للرجلِ أنْ يجاوزَ بثوبهِ كعبَه ويقول: لا أجرُّهُ خيلاء، لأنَّ النّهي قدْ تناولَه لفظًا، ولا يجوزُ لمنْ يتناولُه اللفظُ أنْ يخالِفَه إذْ صارَ حكمهُ أنْ يقولَ لا أمتثلُه، لأنَّ تلكَ العلةَ ليستْ فيَّ، فإنَّها دعْوى غيرُ مسلَّمةٍ بلْ إطالةُ ذيلهِ [يستلزم الخيلاء] (٣) دالةٌ علَى تكبُّرِهِ اهـ. وحاصلُه أن الإسبالَ يستلزمُ جرَّ الثوب، وجرُّ الثوبِ يستلزمُ الخُيلاء، ولوْ لمْ يقصدْه اللابسُ. وقدْ أخرجَ ابنُ منيعٍ (٤) عن ابن عمرَ في أثناء حديثٍ رفعَه: "إياكَ وجرَّ الإزارِ، فإنَّ جرَّ الإزارِ منَ المخيلةِ". وقدْ أخرجَ الطبرانيُّ (٥) منْ حديثٍ أبي أمامةَ، وفيهِ قصةٌ لعمروِ بن زرارة الأنصاريِّ: "إنَّ اللَّهَ لا يحبّ المسبلَ". والقصةُ أن أبا أمامةَ قالَ: "بينَما نحنُ معَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لحقَنا عمروُ بنُ زرارةَ [الأنصاريُّ] (٦) في حُلَّةِ إزارٍ ورداءٍ قدْ أسبلَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يأخذُ بناحيةِ ثوبهِ ويتواضعُ للَّهِ، ويقولُ: عبدُك وابنُ عبدكَ وأَمَتِكَ. حتى سمعَها عمروُ فقالَ: يا رسُولَ اللَّهِ، إني حمشُ الساقينِ فقالَ: يا عمرُو، إنَّ اللَّهَ قدْ أحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقه، إنَّ اللَّهَ لا يحبُّ المسبلَ". وأخرجَهُ (٧) [الطبراني] (٨) عنْ عمروِ بن


= وأخرج الحديث أحمد في "المسند" (٥/ ٣٦٤) من طريقين، والطيالسي رقم (١١٩٠) من طرق.
(١) في (أ): "تحت".
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٢٦٤).
(٣) زيادة من (أ).
(٤) عزاه إليه ابن حجر في "الفتح" (١٠/ ٢٦٤).
(٥) و (٦) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ١٢٤). وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.
(٧) زيادة من (ب).
(٨) في (ب) "الطبري".