للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بميراثٍ. ويدلُّ عليهِ قولُه (١) - صلى الله عليه وسلم -: "أدناكَ أدناك". وقيلَ مَنْ كانَ بينَه وبينَ الآخرِ قرابةٌ سواءٌ كانَ يرثُه أَوْ لا. ثمَّ صلةُ الرحمِ كما قالَ القاضي عياضٌ: درجات بعضُها أرفعُ منْ بعضٍ، وأدْناها تركُ المهاجرةِ، وصلتُها بالكلام ولو بالسلامِ، ويختلفُ ذلكَ باختلافِ القدرةِ والحاجةِ، فمنْها واجبٌ، ومنْها مستحبٌ، فلو وصلَ بعضَ الصلةِ ولم يصلْ غايتَها لم يُسَمَّ قاطعًا، ولو قصرَ عما [يقدرُ] (٢) عليهِ وينبغي لهُ: لم يسمَّ واصلًا. قالَ القرطبيُّ (٣): الرحمُ التي توصلُ عامةٌ وخاصةٌ، فالعامةُ رحمُ الدينِ، وتجبُ صلتُها بالتوادُدِ، والتناصحِ، والعدلِ، والإنصافِ، والقيامِ بالحقوقِ الواجبةِ والمستحبَّةِ. والرحمُ الخاصةُ تزيدُ بالنفقةِ على القريبِ وتَفَقُّدِ حالِه، والتغافلِ عنْ زلَّتهِ. وقالَ ابنُ جمرةَ (٤): المعنَى الجامعُ إيصالُ ما أمكنَ منَ الخيرِ، ودفعُ ما أمكنَ منَ الشرِّ بحسبِ الطاقةِ، وهذا في حقّ المؤمنينَ. وأما الكفارُ والفساقُ [فتجبُ] (٥) المقاطعةُ لهم إذا لم تنفعِ الموعظةُ.

واختلفَ العلماءُ أيضًا بأيِّ شيءٍ تحصلُ القطيعةُ للرحمِ، فقالَ الزينُ العراقيُّ: تكونُ بالإساءةِ إلى الرحمِ، [وقالَ] (٦) غيرهُ: [تكونُ] (٧) بتركِ الإحسانِ لأن الأحاديثَ آمرةٌ بالصلةِ، ناهيةٌ عن القطيعةِ، ولا واسطةَ بينَهما، والصلةُ نوعٌ منَ الإحسانِ كما فسرَّها بذلكَ غيرُ واحدٍ، والقطيعةُ ضدُّها، وهيَ تركُ الإحسانِ. وأما ما أخرجَهُ الترمذيُّ (٨) منْ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ الواصلُ بالمكافئِ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا [قُطِعَتْ] (٩) رحمهُ وصلَها"؛ فإنهُ ظاهرٌ في أن الصلةَ إنَّما هيَ ما كانَ


(١) وهو جزء من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم رقم (٢/ ٢٥٤٨)، وابن ماجه رقم (٣٦٥٨).
(٢) في (أ): "يجب".
(٣) ذكره الحافظ في فتح الباري (١٠/ ٤١٨).
(٤) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (١٠/ ٤١٨).
(٥) في (أ): "يجب".
(٦) في (أ): "وقيل".
(٧) في (أ): "تكوين".
(٨) في "السنن": (١٩٠٨) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: أخرجه البخاري رقم (٥٩٩١)، وأبو داود رقم (١٦٩٧)، وأحمد في "المسند" رقم (٦٥٢٤) و (٦٧٨٥) و (٦٨١٧) وانظر رقم (٦٧٠٠) شاكر.
(٩) في (أ): "قطعهُ".