للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المضايقةَ والاستقصاءَ في المحقَّراتِ [وغيرها] (١)، فإنَّ ذلكَ مُسْتَقْبَحٌ، ويختلفُ استقباحُه باختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ، وتفصيلُه يطولُ فمنْ أرادَ استيفاءَ ذلكَ راجعَ الإحياءَ للغزاليِّ (٢) - رحمه اللهُ -. واعلمْ أن البُخْلَ داءٌ لهُ دواءٌ، وما أنزلَ اللَّهُ منْ داءٍ إلَّا ولهُ دواءٌ، وداءُ البخلِ سببهُ أمرانِ: الأولُ حبُّ الشهواتِ التي لا يُتَوصَّلُ إليها إلَّا بالمالِ وطولِ الأملِ، والثاني: حبُّ ذاتِ المالِ والشغفُ بهِ وببقائِه لديْهِ، فإنَّ الدنانيرَ مثلًا رسولٌ ينال بها الحاجاتُ والشهواتُ فهوَ محبوبٌ لذلكَ، ثمَّ صارَ محبُوبًا لنفسِه لأنَّ الموصِلَ إلى اللذاتِ لذيذٌ، فقدْ تُقضى الحاجاتُ والشهواتُ، وتصيرُ الدنانيرُ عندَه هيَ المحبوبةُ، وهذَا غايةُ الضلالِ، فإنهُ لا فرقَ بينَ الحَجَرِ والذهبِ إلَّا منْ حيثُ أنها تُقْضَى بهِ الحاجاتُ، فهذَا سببُ حبِّ المالِ، ويتفرعُ منهُ الشحُّ وعلاجُه بضدِّهِ، فعلاجُ الشهواتِ القناعةُ باليسيرِ، وبالصبرِ، وعلاجُ [حب المال و] (٣) طولِ الأمل [الإكثارُ منْ] (٤) ذكرِ الموتِ، وذكرِ موتِ الأقرانِ، والنظر في [ذلك] (٥) طولِ تعبهم في جَمْعِ المالِ، ثمَّ ضياعِه بعدَهم، وعدمَ نفعِه لهم. وقدْ يشحُّ بالمالِ شفقةً على مَنْ بعدَه منَ الأولادِ، وعلاجُه أنْ يعلمَ أن اللَّهَ هوَ الذي خلقَهم فهو يرزقُهم، وينظرُ في نفسِه فإنهُ ربَّما لم يخلِّفْ لهُ أبوهُ فَلْسًا، ثمَّ ينظرُ ما أعدَّه اللَّهُ تعالى لمنْ تركَ الشحَّ وبذلَ ماله في مرضاةِ اللَّهِ تعالى، وينظرُ في آياتِ القرآنِ المجيد الحاثَّةِ على الجودِ المانعةِ عن البخلِ، ثمَّ ينظرُ في عواقبِ البخلِ في الدنيا، فإنهُ لا بدَّ لجامعِ المال، (٦) منْ آفاتٍ تُخْرجُهُ على رُغْمِ أنفهِ [وذل أمره] (٧)، فالسخاءُ خيرٌ كلُّه ما لم يخرجْ إلى حدِّ الإسرافِ المنْهيِّ عنهُ. وقدْ أدَّبَ الله تعالى عبادَه أحسنَ الآدابِ فقالَ:


(١) زيادة من (أ).
(٢) (٣/ ٢٥٩ - ٢٦٢)، واعلم أن في "الإحياء" فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة فاسدة من كلام الفلاسفة، تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، … وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُرَّهاتهم.
وانظر: "إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين" علي حسن علي عبد الحميد.
(٣) زيادة من (أ).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في (ب): "ذكر".
(٦) في (أ): "الأموال وكانزها".
(٧) زيادة من (أ).