للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حتَّى يحذرَه الناسُ". وأخرجَ البيهقيُّ (١) منْ حديثِ أنسٍ بإسنادٍ ضعيفٍ: "مَنْ ألقَى جلبابَ الحياءِ فلا غيبةَ لهُ". وأخرجَ مسلمٌ (٢): "كلُّ أمتي معافَى إلا المجاهرونَ" وهمُ الذينَ جاهَرُوا بمعاصِيْهم، فهتكُوا ما سترَ اللَّهُ عليهم، فيتحدثون بها بلا ضرورةَ ولا حاجةَ. والأكثرُ يقولون بأنهُ يجوزُ أنْ يُقَالَ للفاسقِ يا فاسقُ، يا مفسِدُ، وكذَا في غيبتِه بشرطِ قصدِ النصيحةِ لهُ أو لغيرِه، لبيانِ حالِه أو للزجرِ عنْ صنيعهِ، لا لقصدِ الوقيعةِ فيهِ فلا بدَّ منْ قصدٍ صحيحٍ إلا أن يكونَ جوابًا لمنْ يبدأُه بالسبِّ، فإنهُ يجوزُ لهُ الانتصارُ لنفسهِ لقولِه تعالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)} (٣)، ولقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "المتسابَّانِ ما قالا فعلَى البادي ما لم يعتدِ المظلومُ"، أخرجَهُ مسلم (٤). ولكنهُ لا يجوزُ أنْ يعتديَ ولا يسبَّه بأمرٍ كذبٍ. قالَ العلماءُ: وإذا انتصرَ المسبوبُ استوفَى ظلامتَه، وبرئَ الأولُ منْ حقِّهِ، وبقيَ عليهِ إثمُ الابتداءِ، والإثمُ المستَحقُّ للهِ تعالَى. وقيلَ: يرتفع عنه الإثمُ، ويكونُ على البادئِ اللومُ والذمُّ لا الإثمُ. ويجوزُ في حالِ الغضبِ للهِ تعالَى لقولِه - صلى الله عليه وسلم - ذرٍّ: "إنكَ امرؤٌ فيكَ جاهليةٌ" (٥)، وقولُ عمرَ (٦) في قصةِ حاطبٍ: دعني أضربْ عُنُقَ هذا المنافقِ، وقولُ أُسَيْدِ (٧) لسعدٍ: إنما أنتَ منافقٌ تجادلُ عن المنافقين. ولم ينكرْ - صلى الله عليه وسلم - هذهِ الأقوالَ، وهيَ بمحضرِه. وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: (وقتالُه كفرٌ) دالٌّ على أنهُ يكفرُ مَنْ يقاتلُ المسلمَ بغيرِ حقٍّ، وهوَ ظاهرٌ فيمنِ استحلَّ قتلَ


(١) في "شعب الإيمان" (٧/ ١٠٨ رقم ٩٦٦٤)، وقال: "فهذا إن صحَّ في الفاسق المعلن بفسقه وفي إسناده ضعف، والله أعلم".
(٢) في "صحيحه" (٤/ ٢٢٩١ رقم ٢٩٩٠)، بل والبخاري في "صحيحه" رقم (٦٠٦٩) من حديث أبي هريرة.
(٣) سورة الشورى: الآية ٤١.
(٤) في "صحيحه" (٤/ ٢٠٠٠ رقم ٦٨/ ٢٥٨٧).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٨٤ رقم ٢٢، ٣٠)، ومسلم في "صحيحه" (٣/ ١٢٨٢ رقم ١٦٦١)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (٢٤٠٢).
(٦) أخرجه البخاري (٧/ ٣٠٤ رقم ٣٩٨٣)، ومسلم في "صحيحه" (٤/ ١٩٤١ رقم ١٦١/ ٢٤٩٤) من حديث علي.
(٧) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٧/ ٤٣١ - ٤٣٥ رقم ٤١٤١).