للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيكونُ هذا إن ثبتَ مخصِّصًا لحديثِ أبي هريرة، وتفاسيرُ العلماءِ دالةٌ على هذَا ففسَّرها بعضُهم بقولِه: ذِكْرُ العيبِ بظهر الغيبِ، وآخرُ بقولِه: هيَ أنْ تذكرَ الإنسانَ منْ خَلْفِه بسوءٍ وإنْ كانَ فيهِ. نعمْ ذكرُ العيب في الوجْهِ حرامٌ لما فيهِ منَ الأذَى وإنْ لم يكنْ غيبةً. وفي قولِه: (أخاكَ) أي أخُ الدينِ، دليلٌ على أن غيرَ المؤمنِ تجوزُ غيبتُه، وتقدَّم الكلامُ في ذلكَ. قالَ ابنُ المنذرِ: في الحديثِ دليلٌ على أن مَنْ ليسَ بأخٍ كاليهوديِّ والنصرانيِّ وسائرِ أهلِ المللِ، ومَنْ قدْ أخرجَتْه بدعتُه عن الإسلامِ لا غيبةَ له. وفي التعبيرِ عنهُ بالأخِ جذبٌ للمغتاب عنْ غيبتِه لمنْ يغتابُ لأنهُ إذا كانَ أخاهُ فالأَوْلَى الحنوُّ عليهِ، وطيُّ مساويهِ، والتأولُ لمعايبهِ لا نشرُها بذكرِها. وفي قولِه: "بما يكْرَهُ" ما يشعرُ بهِ بأنهُ إذا كانَ لا يكرهُ ما يُعابُ بهِ كأهلِ الخلاعةِ [والمجونِ] (١)، فإنهُ لا يكونُ غيبةً. وتحريمُ الغيبةِ معلومٌ منَ الشرعِ ومتفقٌ عليهِ. وإنما اختلفَ العلماءُ هلْ هوَ منَ الصغائرِ أو من الكبائرِ؟ فنقلَ القرطبي (٢) الإجماعَ على أنَّها منَ الكبائر. وقد استدلَّ لكبرِها بالحديثِ الثابت: "إن دماءَكُم، وأعراضَكم، وأموالَكم، عليكُم حرامٌ" (٣). وذهبَ الغزاليُّ وصاحبُ العمدةِ منَ الشافعيةِ إلَى أنَّها منَ الصغائرِ. قالَ [الأوزاعيُّ] (٤): لم أرَ مَنْ صرَّحَ أنَّها منَ الصغائرِ غيرُهما، وذهبَ المهدي إلى أنَّها محتملةُ بناءً على أن ما لم يقطعْ بكبرِه فهوَ محتملٌ كما تقولُه المعتزلةُ، قالَ الزركشيُّ: والعجبُ ممنْ يعدُّ


= • هشام بن حسان هو أبو عبد الله أكثر كلامه ما أسنده عن أستاذه الحسن البصري، لزمه عشر سنين وأدرك الأئمة الأعلام واقتبس عنهم الأقضية والأحكام، فسمع محمد بن سيرين، وقتادة، وعكرمة، وهشام بن عروة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة. انظر ترجمته في: "حلية الأولياء" (٦/ ٢٦٩ - ٢٧٧).
(١) وفي (أ): "والمجنون".
(٢) في تفسيره (١٦/ ٣٣٧).
(٣) • أخرجه البخاري رقم (١٠٥)، و (١٧٤١) و (٣١٩٧) و (٤٤٠٦) و (٤٦٦٢) و (٥٥٥٠) و (٧٠٧٨) و (٧٤٤٧)، ومسلم رقم (١٦٧٩)، وأبو داود رقم (١٩٤٨)، وابن ماجه رقم (٢٣٣)، وابن خزيمة رقم (٢٩٥٢)، وأحمد (٥/ ٣٧، ٣٩، ٤٩)، والبيهقي (٥/ ١٤٠، ١٦٥ - ١٦٦)، والبغوي رقم (١٩٦٥)، من طرق عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة.
• وأخرجه البخاري رقم (٦٧)، والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (٩/ ٥٠) من طريقين عن بشر بن المفضل، عن ابن عون، عن ابن سيرين به.
(٤) كذا في (أ) و (ب)، وفي الفتح (١٠/ ٤٧٠): "الأذرعي".