للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[أشفعُ] (١) لهُ يومَ القيامةِ، ذرُوا المراءَ فأنا زعيمٌ بثلاثةِ أبياتٍ في الجنة ورياضِها أسفلِها وأوسطِها وأعلاهَا لمنْ تركَ المراءَ وهو صادقٌ، ذرُوا المراءَ فإنهُ أولُ ما نهاني عنهُ ربي بعدَ عبادةِ الأوثانِ". وأخرجَ الشيخانِ (٢) مرفُوعًا: "إنَّ أبغضَ الرجالِ إلى اللَّهِ الألدُّ الخصِمُ"، أي الشديدُ الخصومةِ أي الذي يُحِجُّ صاحبَه. وحقيقةُ المراءِ طعنُكَ في كلامِ غيرِك لإظهارِ خللٍ فيهِ لغيرِ غرضٍ سوى تحقيرِ قائله وإظهارِ مزيَّتِكَ عليهِ. والجدالُ هوَ ما يتعلقُ بإظهارِ المذاهبِ وتقريرِها. والخصومةُ لجاجٌ في الكلامِ ليستوفي بهِ مالًا أو غيرَه، ويكونُ تارةً ابتداءً وتارةً اعتراضًا، [والمِراءُ] (٣) [أن] (٤) لا يكونَ [إلا اعتراضًا] (٥)، والكلُّ قبيحٌ إذا لم يكنْ لإظهارِ الحقِّ وبيانِه، وإدحاضِ الباطلِ وهدمِ أركانِه.

وأما مناظرةُ أهلِ العلم للفائدةِ وإنْ لم تخلُ عن الجدالِ فليستْ داخلةً في النَّهْي. وقدْ قالَ تعالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٦)، وقدْ أجمعَ عليهِ المسلمونَ سلفًا وخلَفًا. وأفادَ الحديثُ النَّهيَ عن ممازحةِ الأخِ، والمزاحُ الدعابةُ. والمنهيُّ عنهُ ما يجلبُ الوحشةَ أوْ كانَ بباطلٍ، وأما ما فيهِ بسطُ الخلُقِ، وحسنُ التخاطبِ، وجبرُ الخاطرِ فهوَ جائزٌ. فقدْ أخرجَ الترمذيُّ (٧) من حديثِ أبي هريرةَ: "أنَّهم قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، إنكَ لتداعِبُنا قالَ: إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا". وأفادَ الحديثُ النَّهْيَ عنْ إخلافِ الوعدِ. وتقدَّمَ أنهُ منْ صفاتِ المنافقينَ - وظاهرُه التحريمُ - وقدْ قيَّدهُ حديثُ: "أنْ تعدَه وأنتَ مضمِرٌ لخلافِه". وأما إذا وعدتَه وأنتَ عازِمٌ على الوفاءِ فعرضَ مانعٌ فلا يدخلُ تحتَ النَّهي.


(١) في (أ): "يشفع".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٤٥٧) و (٤٥٢٣) و (٧١٨٨)، ومسلم رقم (٢٦٦٨).
قلت: وأخرجه الترمذى رقم (٢٩٧٦)، والنسائي (٨/ ٢٤٧ - ٢٤٨)، وأحمد (٦/ ٥٥، ٦٣، ٢٠٥)، والبيهقي (١٠/ ١٠٨)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (٢٤٩٩)، من طرق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
(٣) في (أ): "والمراد".
(٤) زيادة من (أ).
(٥) في (أ): "الاعتراض".
(٦) سورة العنكبوت: الآية ٤٦.
(٧) في "السنن" رقم (١٩٩٠)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه في "الشمائل" وأحمد (٢/ ٣٦٠)، والبغوي في "شرح السنة" (٣٦٠٢)، وهو حديث صحيح.