للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لإضحاكِ القومِ، وهذا تحريمٌ خاصٌّ. ويحرمُ على السامعينَ استماعه إذا علموهُ كذِبًا، لأنهُ إقرارٌ على المنكرِ بلْ يجبُ عليهم [الإنكار أو الانصراف] (١) منَ الموقف. وقدْ عُدَّ الكذبُ منَ الكبائرِ. قالَ الروياني منَ الشافعيةِ: إنهُ كبيرةٌ ومن كذب قصدًا رُدَّت شهادته وإن لم يضر بالغير، لأن الكذب حرامٌ بكلِّ حالٍ. وقالَ المهدي - عليه السلام -: إنهُ ليسَ بكبيرةٍ، ولا يتمُّ له نفي كبرِه على العمومِ، فإنَّ الكذبَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -[والإضرار] (٢) بمسلم [أو معاهدٍ] (٣) كبيرةٌ. وقسمَ الغزالي (٤) الكذبَ في الإحياءِ إلى: واجبٍ، ومُبَاحٍ، ومحرَّم. وقالَ: إنَّ كلَّ مقصدٍ محمودٌ يمكنُ التوصلُ إليهِ بالصدقِ والكذبِ جميعًا فالكذبُ فيهِ حرامٌ. وإنْ أمكنَ التوصلُ إليهِ بالكذبِ وحدَه فمباحٌ إنْ أنتجَ تحصيلَ ذلكَ المقصودِ، وواجبٌ إنْ وجبَ تحصيلُ ذلكَ وهوَ إذا كانَ فيهِ عصمةُ مَن يجبُ إنقاذُه، وكذا إذا خشي على الوديعةِ منْ ظالمٍ وجبَ الإنكارُ والحلفُ، وكذَا إذا كانَ لا يتمُّ مقصودُ حربٍ أوْ إصلاحٍ ذاتِ البينِ أو استمالةِ قلبِ المجني عليهِ إلا بالكذبِ فهو مباحٌ، وكذا إذا وقعتْ منهُ فاحشةٌ كالزنَى وشربِ [الخمرِ وسأله السلطانُ] (٥) فله أنْ يكذبَ ويقولُ: ما فعلتُ (؟)، ثمَّ قال: وينبغي أنْ [تقابلَ] (٦) مفسدةُ الكذبِ بالمفسدةِ المترتبةِ على الصدقِ، فإنْ كانتْ مفسدةُ الصدقِ أشدَّ فلهُ الكذبُ، وإنْ [كانتْ] (٧) بالعكسِ أو شكَّ فيها حَرُمَ الكذبُ، وإنْ تعلَّقَ بنفسِه استحبَّ أنْ لا يكذبَ، وإنْ تعلَّقَ بغيرِه لم [تحسن] (٨) المسامحةُ بحقِّ الغيرِ. والحزمُ تركُه حيثُ أبيحَ. واعلمْ أنهُ يجوزُ الكذبُ اتفاقًا في ثلاثِ صورٍ كما أخرجَهُ مسلمٌ (٩) في الصحيح. قالَ ابنُ شهابٍ: لم أسمعْ يرخَّصُ في شيءٍ مما يقولُ الناسُ كذبٌ إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاحِ بينَ الناسِ، وحديثِ الرجلِ امرأتَه، وحديثِ المرأةِ زوجَها. قالَ القاضي عياضٌ (١٠): لا


(١) في (ب): "النكير أو القيام".
(٢) في (ب): "أو لإضرار".
(٣) زيادة من (ب).
(٤) في "الإحياء" (٣/ ١٣٧ - ١٣٩).
(٥) في (أ): "يسأله ظالم".
(٦) في (أ): "يقابل".
(٧) في (أ): "كان".
(٨) في (أ): "يحسن".
(٩) في "صحيح مسلم بشرح النووي" (١٦/ ١٥٧ - ١٥٨).
(١٠) في "صحيح مسلم بشرح النووي" (١٦/ ١٥٨).