للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأذعنُوا لهُ بالوحدانيةِ، وبالوعدِ ما قالَ على لسانِ نبيِّهِ أنَّ منْ ماتَ لا يشركُ بي شيئًا [أن يدخلَهُ] (١) الجنةَ. ومعنَى "أبوءُ": أقِرُّ وأعترفُ، وهوَ مهموزٌ، وأصلهُ البواءَ، ومعناهُ اللزومُ، ومنهُ: بوَّأهُ اللَّهُ منزلًا أي أسكنَه فكأنهُ ألزمهُ بهِ، "وأبوءُ بذنْبي" أعترفُ بهِ وأقرُّ. وقولُه: "فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوبَ إلَّا أنتَ"، اعترفَ بذنبِه أولًا ثمَّ طلبَ غفرانَه ثانيًا. وهذا من أحسنِ الخطاب، وألطفِ الاستعطافِ كقولِ أبي البشرِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٢).

وقد اشتملَ الحديثُ على الإقرارِ بالربوبيةِ لله تعالَى، وبالعبوديةِ للعبدِ، [وبالتوحيد لله تعالى] (٣)، والإقرارِ بأنهُ الخالقُ، والإقرارُ بالعهدِ الذي أخذَهُ على الأممِ، [والإقرار] (٤) بالعجزِ عنِ الوفاءِ منَ العبدِ بالعهدِ، والاستعاذةُ بهِ تعالَى منْ شرِّ السيئاتِ، نحوُ: "نعُوذُ باللَّهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا" (٥). والإقرارُ بنعمتِه تعالى على عبادِه [وإفرادها] (٦) للجنسِ، والإقرارُ بالذنبِ، وطلبُ المغفرةِ، وحصرُ الغفرانِ فيهِ تعالَى. وفيهِ أنهُ لا ينبغي طلبُ الحاجاتِ إلا بعدَ الوسائلِ، وأما استشكال أنهُ كيفَ يستغفرُ النبي وقدْ غُفِرَ (٧) لهُ -صلى الله عليه وسلم- ما تقدَّمَ [مِنْ ذنبِه] (٨) وما تأخرَ، وهوَ أيضًا معصومٌ، فإنهُ منَ الفضولِ لأنهُ -صلى الله عليه وسلم- أخبرَ بأنهُ يستغفرُ اللَّهَ ويتوبُ إليهِ في اليومِ سبعينَ (٩) مرةً، وعلَّمنا الاستغفارَ فعلينا التأسيّ


(١) في (أ): "دخل".
(٢) سورة الأعراف: الآية ٢٣.
(٣) في (ب): "في التوحيد له".
(٤) زيادة من (ب).
(٥) وهو جزء من حديث خطبة الحاجة. أخرجه أبو داود (٢/ ٥٩١ رقم ٢١١٨)، والترمذي (٣/ ١٣ رقم ١١٠٥)، والنسائي (٦/ ٨٩)، وابن ماجه (١/ ٦٠٩) رقم (١٨٩٢)، وابن الجارود رقم (٦٧٩)، الحاكم (٢/ ١٨٢ - ١٨٣)، وأبو نعيم في "الحلية" (٧/ ١٧٨)، والبيهقي (٧/ ١٤٦)، والدرمي (٢/ ١٤٢)، وأحمد (١/ ٣٩٢ - ٣٩٣، ٤٣٢)، والطيالسي (٤٥ رقم ٣٣٨) من حديث ابن مسعود.
(٦) في (ب): "وأفردها".
(٧) يشير إلي قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢)} [الفتح: ١، ٢].
(٨) زيادة من (ب).
(٩) ما أخرجه البخاري (١١/ ١٠١ رقم ٦٣٠٧) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".