للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهبَ إلى خلافهِ جماعةٌ منَ الصحابةِ والتابعين والهادويةُ، ويروى عن الشافعيِّ وأبِي حنيفةَ. قالوا: والحديثانِ إِما منسوخانِ بحديثِ: "إنهُ كانَ آخِرَ الأمرينِ منهُ - صلى الله عليه وسلم - عدمُ الوضوءِ مما مسَّتِ النارُ"، أخرجهُ الأربعةُ (١)، وابنُ حِبَّانَ (٢) منْ حديثِ جابرٍ.

قالَ النوويُّ (٣): دعوى النسخِ باطلةٌ؛ لأنَّ هذا الأخيرَ عامٌّ، وذلكَ خاصٌّ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العامِّ. وكلامهُ هذا مبنيٌّ على تقديمِ الخاصِّ على العامِّ مطلقًا، تقدَّمَ الخاصُّ أوْ تأخَّرَ، وهي مسألةٌ خلافيةٌ [فِي الأصولِ] (٤) بينَ الأصوليينَ.

أو أن المرادَ بالوضوءِ التنظيفُ، وهوَ غسلُ اليدِ لأجلِ الزهومةِ، كما جاءَ في الوضوءِ منِ اللبنِ، وأنَّ لهُ دَسَمًا، والواردُ في اللبنِ التمضمضُ من شربهِ. وذهبَ البعض إلى أنَّ الأمرَ [الوارد] (٥) في الوضوءِ من لحومِ الإبلِ للاستحبابِ لا للإيجابِ، وهوَ خلافُ ظاهرِ الأمرِ.

[قال الزركشي: "وإنما أمر الشارع بالوضوء من لحوم الإبل؛ لأنها خلقت من الجان، ولهذا أمر بالتسمية عند ركوبها، فأمر بالوضوء من أكلها، كما أمر بالوضوء عند الغضب؛ ليزول استيلاء الغضب" اهـ.


(١) وهم: أبو داود (١/ ١٣٣ رقم ١٩١)، والترمذي (١/ ١١٦ رقم ٨٠)، والنسائي (١/ ١٠٨)، وابن ماجه (١/ ١٦٤ رقم ٤٨٩).
(٢) في "صحيحه" (٢/ ٢٣٠ رقم ١١٣٥).
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٦٥، ٦٧)، والبيهقي (١/ ١٥٥ - ١٥٦) و (١/ ١٥٤ - ١٥٥)، وأحمد (٣/ ٣٠٤)، والطيالسي (ص ٢٣٣ رقم ١٦٧٠)، والدولابي في "الكنى" (٢/ ٣٦)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: ٢٤)، وقد أعلَّ الحديث بعض العلماء كالشافعي كما في "التلخيص الحبير" (١/ ١١٦)، وابن أبي حاتم في "العلل" (١/ ٦٤ رقم ١٦٨) وغيرهم.
وردَّ عليهم الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر في "شرح الترمذي" (١/ ١١٧)، وابن التركماني في "الجوهر النقي" (١/ ١٥٦)، وابن حزم في "المحلى بالآثار" (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧).
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، واللَّه أعلم.
(٣) في "المجموع" (٢/ ٥٩ - ٦٠).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) زيادة من (أ).